قبل أيام انتشر خبر ملخصه أنه تم تضمين عقد الفائزين بمسابقة الـ30 ألف معلم في مصر شرطاً بالتزام كل فائز بالوظيفة محو أمية عشرة أفراد خلال عام. جاء في الخبر أن وزارة التربية والتعليم قررت بشكل رسمي في بيان لها أن مجلس الوزراء وافق على وضع شرط محو أمية 10 أشخاص في العقود التي تسلم للفائزين بالوظيفة، وهو ما يوجب على كل من فاز بإحدى تلك الوظائف والتحق بسلك التدريس أن يمحي أمية عشرة مصريين لم يظفروا بفرصة التعليم في حياتهم، ما يعني أن ثلاثمائة ألف مصري سيغادرون مقاعد الأمية خلال عام واحد وسيتمكنون من فك الخط والحساب ويصير لهم دور مختلف في المجتمع وفي علاقتهم بأبنائهم وأصدقائهم وجيرانهم، وستتغير حياتهم إلى الأفضل وسيتمكنون من خدمة بلادهم بشكل مختلف.
الفكرة ليست جديدة؛ وكانت تطبق في زمن نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام في محو أمية المسلمين كي يتمكنوا من القراءة والكتابة، ولعلها طبقت في أزمان أخرى وأماكن مختلفة، وهي تحتاج إلى جرأة ومتابعة للتأكد من الوصول إلى النتيجة المرجوة.
الفكرة عملية، وفي ظروف الوطن العربي يمكن توظيفها في العديد من المجالات وليس محو الأمية فقط، فكما أن هذا المشروع اشترط على المقبولين في مهنة التعليم محو أمية عشرة أفراد؛ فإن بالإمكان أيضاً الاشتراط على المقبولين في مهن أخرى تقديم خدمات معينة للناس وللمجتمع، حيث يمكن مثلاً دراسة فكرة إلزام الأطباء بمعالجة عدد من المرضى من ذوي الدخل المحدود شهرياً بالمجان، وإلزام المهندسين بتقديم خدمة للمجتمع والناس تتناسب ومهنتهم، وكذا الحال مع المحامين وغيرهم.
هنا خبر آخر؛ فقد أوردت إحدى وكالات الأنباء أن القاضي مايكل تشيكونيتي من ولاية أوهايو حكم على فتاة بقطع مسافة 50 كيلومتراً مشياً على قدميها لأنها رفضت دفع أجرة التاكسي، وهي المسافة نفسها التي قطعتها في سيارة التاكسي ولم تدفع المبلغ المطلوب لسائقها. كان القاضي قد وضع المذنبة أمام ثلاثة خيارات؛ دفع مبلغ 100 دولار لسائق التاكسي، الحبس، أو قطع تلك المسافة مشياً على الأقدام خلال اليومين القادمين.
الأطرف هو أن القاضي أشفق على الفتاة وقلص الحكم إلى السير 32 كيلومتراً فقط بعد أن مشت في طريق ترابية موحلة وليس في طريق معبدة. المعروف عن هذا القاضي إصدار الأحكام الطريفة، ومنها على سبيل المثال الحكم على امرأة ألقت بقططها الصغيرة في غابة أن تمضي ليلة كاملة في تلك الغابة.
الخبران طريفان ومثيران ولكنهما أيضاً قابلان للدراسة من قبل المعنيين بشؤون التوظيف والقضاء في البحرين، حيث بالإمكان إيجاد صيغ قانونية تلزم من يلتحق بوظائف معينة الالتزام بتقديم خدمات معينة للمجتمع، وبالإمكان الاستعاضة عن بعض الأحكام بالسجن بإجبار المدانين بتقديم خدمة معينة للمجتمع أو تخييرهم بين الحبس والقيام بتلك المهمة لو أن الأحكام البديلة لا تؤثر سلباً على المجتمع أو المتضررين.
البحرين تكاد تخلو من الأمية، ولكن يمكن إلزام من يلتحق بوظائف التعليم بتطوير قدرات مجموعة من المتعلمين في مادة تخصصهم من خلال تنظيم دروس تقوية في الأندية مثلاً، وكذا الحال مع الوظائف الأخرى التي يمكن ببعض جلسات العصف الذهني التوصل إلى المجالات التي يمكن الاستفادة من قدرات الملتحقين بها أو العاملين فيها، أما الأحكام القضائية فتتسع -على الأقل من الناحية النظرية- لأحكام من النوع الذي يصدرها ذلك القاضي، خصوصاً في القضايا التي يتورط فيها الصغار من الشباب. في كل الأحوال تفاصيل مثل هذه الحلول يحددها القضاة والمعنيون بالتوظيف والنواب والشوريون الذين يضعون أمر خدمة المجتمع والارتقاء به في أول سلم أولوياتهم.