مشكلة كبيرة حينما تقتحم «المقارنة» عقلك قسراً، وتفرض نفسها على تفكيرك، بحيث تدفعك للقول «لماذا لا نكون كذلك؟!»، بل لأكون أكثر دقة وأقول «ألا يمكننا أن نكون كذلك؟!».
حينما نسافر للخارج، حتى لدول الخليج القريبة، نبدأ بالمقارنة بشكل تلقائي، نقارن بين الأجواء السياحية لديهم ونظيرتها لدينا، وهنا لا أحتاج للتفصيل، فالوضع معروف تماماً لكم.
لكن ما يحز في النفس أن ندرك أن لدينا من المقومات الكثير لننجح في مشاريع سياحية متنوعة، لكننا لا نفعل ذلك.
يضايقنا مجرد التفكير بأن البعض خاصة من تجار السياحة حكموا على البحرين بأن تكون سياحتها مقتصرة على نوع معين، وتستقطب فئات معينة، في حين لا موقع للإعراب لما نسميه بـ»السياحة العائلية» على الخارطة.
بل المؤسف بأننا بتنا نستخدم وصف السياحة لنقول «سياحة نظيفة»، كإقرار واضح بأن لدينا «سياحة غير نظيفة»، وكلكم يعرف ما نتحدث عنه.
كلنا نرى في دبي نموذجاً مثالياً على «السياحة العائلية»، أو بتعبير أدق السياحة القائمة على التنوع الكبير في مجالات الترفيه وتغيير الأجواء والإمتاع الذي يصل لجميع أفراد العائلة من الصغار والكبار.
أكتب هذه السطور واليوم توجد أكثر من 20 فعالية مميزة تحتضنها دبي وتستقطب فيها الكبار والصغار، في المجمعات الضخمة وفي مراكز المعارض المنتشرة في البلد، وسط عمليات إعمار ضخمة وتحديث لبناء مجمعات أكثر ومشاريع سياحية أكثر ودار أوبرا راقية وغيرها. في المقابل أبحث عن فعاليات مماثلة لدينا فلا أجد أمامي إلا عروض السينما وفي المجمعات التي باتت أكثر مكان يشهد ازدحاماً غير طبيعي في عطلات نهاية الأسبوع، لا أجد إلا فعاليات مفصلة وكأنها تستقطب فقط «النخب» ولا تحسب حساب المواطن البسيط.
لماذا لا يمكننا أن نصل لربع المستوى الذي وصل له الغير؟!
هذا سؤال مهم يطرح نفسه بقوة ويستوجب إجابة صريحة مباشرة وواضحة. إذ نؤمن بأن لدينا المقومات، وفي زمن ما كانت لدينا الموازنات وسعر النفط كان يصل لحاجز قياسي، فلماذا لم نفكر في هذا الاتجاه؟!
أعود لأضع مليون خط أحمر تحت كلمة «العقول» وكلمة «الكفاءات»، والكلمة الأكثر غياباً في مجتمعنا «التخطيط»، وضيفوا لها «الإستراتيجي» إن أردتم.
وإلحاقاً بكل ذلك أتصفح الجريدة بالأمس فإذا بخبر يحتل صدارة الأخبار مفاده بأن هناك توجهاً لتسيير رحلات طيران خاصة بجزر حوار في العام الحالي، وأن هذه الطائرات «البرمائية» تتسع لنحو 12 شخصاً!
هل نصفق هنا، وهل نهلل؟! وهل هذا ما ننتظر سماعه أو اعتباره كـ«إنجاز» في اتجاه تطوير السياحة في البلد؟!
مع الاحترام الشديد للشخوص المعنية، لكن هذا فارق «العقول» وهذا هو فارق «التخطيط» وهذا هو فارق «استشراف المستقبل» وإيجاد الفرص، وهي فوارق تبين بالفعل أين يكون الخلل لدينا وأين يكون التفوق لدى الآخرين.
تريدون التحدث عن جزر حوار؟! طيب، لنتحدث عن جزر حوار التي لها في قلب وكيان كل بحريني مخلص محب لبلده مكانة خاصة، هذه الجزر التي نعرف بأنها غنية بالغاز الطبيعي، وأنها تصلح لتكون محمية مثالية لأنواع عديدة من الطيور والحيوانات، هذه الجزر لم نعرف حتى الآن كيف نستفيد منها على الصعيد السياحي، ولو كان السؤال موجهاً لآخرين لأجابوا بعشرات الاقتراحات بشأن تحويل هذه الجزر إلى أروع المنتجعات السياحية في المنطقة.
البحرين ذات الطبيعية البحرية، أيعجزها أن تحول جزر حوار إلى «معجزة» بحرية خلابة؟! ألا يمكن إنشاء أكبر منتجع مائي في الخليج، مع مرافق راقية، كفنادق وشقق فندقية، مع مسارح على البحر وداخل المنشآت، ومع جلب عروض فنية محلية وإقليمية ودولية تقام على أرضها وتستقطب اهتمام الناس؟! ألا يمكن ذلك بحيث تكون قبلة سياحية لا يزعج ازدحامها ولا ضجيجها الناس في حياتهم اليومية أو في عطل نهاية الأسبوع؟!
والله يمكن ذلك، إذ تخيلوا جزر حوار، وفيها ثلاثة أو أربعة فنادق راقية وذات أسماء عالمية شهيرة (والله افتحوا الباب وسترون من يطرقه)، وفيها حديقة مائية ضخمة، ومسارح للعروض الفنية، ومجمع ضخم فيه مناطق لألعاب الأطفال وسينمات ومحلات ذات ماركات عالمية ومحلات من تصنيف «الهاي ستريت» التي يقبل عليها كثير من الناس. والأهم أن يصل لها الناس بطرق عدة، عبر المراكب السريعة واليخوت المميزة، وعبر حتى طائراتكم البرمائية، ولماذا لا نبني جسراً يصل البحرين الأم بجزرها المميزة في الجنوب؟!
فقط أتخيل حوار بهذه الطريقة، جنة بحرينية على الأرض، ومصدراً لدعم الاقتصاد الوطني بشكل راق ونظيف ومبهر.
والله نستطيع لو أردنا، والله نقدر إن قررنا، والله ننجح إن خططنا بشكل صحيح، والله نقدر لو كان لدينا حسن إدارة للمال العام.