الجميل في «المعارضة» أنها تستشعر الخطر، وأنها عندما تجد أن ما يدور في المنطقة وما يجري من تطورات يمكن أن يؤثر سلباً على البلاد تقرر مراجعة مواقفها، فلا تتردد عن إصدار بيان تؤكد فيه كل ذلك، وهذا أمر طيب دونما شك، لولا أنها تؤكد في نفس البيان أن المسؤولية أولاً وأخيراً تقع على عاتق السلطة، وأنها هي سبب كل ما جرى ويجري، وأنها المعنية بإيجاد الحلول والمخارج وأن «المعارضة حاضرة لكل شيء»، وتكتفي بذلك!
قبل أيام أكدت الجمعيات السياسية التي تحب أن تطلق على نفسها اسم «القوى الوطنية الديمقراطية المعارضة» على «ضرورة تحمل جميع الأطراف السياسية والمجتمعية مسؤولياتها تجاه الحفاظ على الوحدة الوطنية وتعزيز عوامل الانسجام الاجتماعي في البحرين»، وأكدت أنها «على استعدادها للمساهمة «بإخلاص» في كافة الجهود الخيرة التي تحقق ذلك»، لكنها عادت وأكدت في بيانها على «المسؤولية الرئيسة التي تتحملها السلطة في الحفاظ على الأمن والسلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي في البلاد وفي تحقيق التوافق المجتمعي المطلوب، وعدم السماح تحت أي ظرف بالمساس بوحدة شعبنا التي ميزته على الدوام»، وذلك لكي تنأى بنفسها عن أي مسؤولية، وهذا بالضبط ما تفعله في كل مرة، فتقول ما معناه إن التطورات التي تمر بها المنطقة تستدعي العمل من الجميع ثم ترمي الكرة في ملعب الحكومة وتقول لها بعد أن تلومها، تصرفي!
التنبيه للمخاطر أمر طيب، والقول إن المسؤولية مسؤولية الجميع أمر طيب أيضاً لأنه حقيقة، لكن ما هو ليس طيباً اعتبار السلطة هي المسؤولة عن كل شيء ولومها وانتظار ما يمكن أن تقوم به، واعتبار ذلك موقفاً وطنياً من «المعارضة» وواجباً قامت بتأديته.
لو كانت هذه «القوى الوطنية المعارضة» على قدر المسؤولية لقالت بوضوح إن الظرف الذي تمر به المنطقة وتمر به البلاد يستدعي أن تقوم هي بفعل موجب قبل السلطة لتجبرها على عمل يعزز من فعلها، لا أن تنتظر حتى تقوم السلطة بما تريده هي منها، لأن هذه سلبية وتهرب واضح من المسؤولية. أما أبسط ما يمكن أن تقوم به هذه القوى -غير إصدار البيانات- فهو منع الأعمال الصبيانية التي يقوم بها مراهقون يعرضون حياة الناس للخطر ويوفرون الثغرات للإرهاب كي يتسلل إلى الداخل ويزيد الوضع توتراً.
مع كل الاحترام للجمعيات السياسية يمكن القول إنها لم تفعل شيئاً موجباً لتحمي الوطن والمجتمع من المخاطر المحدقة بهما، وإنها تعتبر أنها بإصدارها مثل هذا البيان والقول إن المسؤولية مسؤولية الدولة قد قامت بواجبها.
ما قيمة هذا القول وكذلك قولها إنها مستعدة للحوار ثم إذا وجدت التجاوب المطلوب من الأطراف الأخرى أعاقته بألف شرط وشرط؟ ما قيمة تنبيهها للمخاطر وهي تكتفي بصب اللوم على السلطة وتشغل نفسها بمثل هذا التفكير السالب؟
المخاطر لا تزول بإصدار البيانات التي لا هدف لها سوى القول إنها لاتزال على موقفها وإنها ستظل «مخلصة ووفية للجماهير»، وإنها لن تفعل إلا ما يرضيها. المخاطر تزول بتجميد كل تلك الأحلام والتعاون مع الحكومة لمواجهة تلك الأخطار المحدقة.
في مثل هذه الظروف الأفضل من دعوة السلطة إلى إعادة النظر في سياساتها والانشغال بتفاصيل لا قيمة لها هو قيام «المعارضة» بمراجعة نفسها والتوقف عن توجيه العتب واللوم وتوزيع الاتهامات يمنة ويسرة. الأفضل لها في هذه المرحلة هو أن تقوم بدور يسجل لها ويؤكد للجميع بأنها إنما كانت تعمل من أجل الوطن والشعب فهذه فرصتها.
ليس هذا وقت البيانات المليئة بالجمل المنمقة والهادفة إلى تبرئة النفس وتحميل المسؤولية للسلطة. هذا وقت العمل الذي من دون مشاركة الجميع فيه، وأولهم هذه القوى الوطنية سنضيع جميعاً