ضعف المتابعة والاستهانة بمراقبة ورصد الأقوال وإقرانها بعد ذلك بالأفعال، هي السبب الرئيس لحصول كثير من الأخطاء بل وتكرارها بشكل غير مقبول.
هذه معادلة أصيلة في علم الإدارة، والتي تتحدث عن جزئية هامة معنية بالرصد الدقيق لكل شيء، ومقارنة الأرقام بالإنجاز الفعلي، وربطها بالأهداف المحددة، بمعنى أنك لو وضعت لك هدفاً وأعلنته، فإن الأرقام التي يجب أن ترصد ضمن الإطار الزمني الذي يفترض وضعه لأي تحرك أو مشروع، يفترض بهذه الأرقام أن تسير بشكل تصاعدي أو نسق صحيح، بحيث تكون الخلاصة متمثلة بتحقيق الهدف ولا شيء آخر.
هذا ما ينقصنا في البحرين على الصعيد الإداري، والأمثلة عديدة، وتتشعب لتشمل كثيراً من الجوانب.
على سبيل المثال، وهي مسألة كتبنا فيها كثيراً، وأشرنا لها مراراً، كم من تصريح لمسؤول نشرته الصحافة خلال الأعوام الماضية، وفي هذه التصريحات وعود وتعهدات، إما بتقديم استراتيجية جديدة، أو الإعلان عن تطبيق سياسة جديدة، أو الكشف عن مشاريع متنوعة ذات أهداف متباينة سواء خدمة المجتمع أو المواطن مباشرة، أو رفد الاقتصاد الوطني؟! في المقابل كم هي نسبة التحقق لهذه التصريحات، وهل وصلنا لنسبة 100% منها بالنظر لمداها الزمني؟!
أشك بأنكم لن تتعجبوا (باعتبار أننا تعودنا على هذه المسألة) أنه لو جاءت النسب مخجلة جداً، وأن حجم الأفعال لا يرتقي ليصل لمستوى ربع الأقوال.
هنا تتجسد أمامنا حقيقة مؤلمة تتمثل بأن كثيراً من المسؤولين عن قطاعات هامة في الدولة إنجازاتهم تجدونها على صفحات الجرائد وفي وسائل الإعلام فقط، يبدعون في الكلام، يبرعون في إطلاق الوعود، وحينما نأتي للتطبيق نجد المشاريع تتعثر، ونجد الوعود تتبخر.
هنا السؤال المهم: من المسؤول عن ذلك، هل المسؤول نفسه؟! أم من يفترض به مراقبة المسؤول ومحاسبته؟!
بحسب ما تم إعلامنا من قبل مسؤولين في الحكومة، فإن قطاعات الدولة تخضع اليوم لآلية متابعة يومية مستمرة عبر تطبيق نظام متابعة فيه مؤشرات قياس مثل «الداشبورد» والذي يمكن من يطلب المعلومات منه معرفة وضعية المشاريع ونسبة التحقق منها وهل ستنتهي في الإطار الزمني المحدد لها، والأهم هل ستنفذ في إطار الموازنات المرصودة لها أم ستتجاوزها.
هذه الآلية تمنح الحكومة ميزة جيدة للمتابعة، لكن مع ذلك تظل عملية المحاسبة والمتابعة بطريقتها وآلياتها غير واضحة للناس، إذ على سبيل المثال لو تكرر الفشل في الإنجاز من جانب وزارة معينة أو وزير معين، ما الإجراء الذي سيتخذ؟! هل يعزل الوزير؟! هل يعاقب مثلاً بخصم راتبه؟! خاصة وإن فشل أي مسؤول في أداء مهامه يؤدي بالنهاية لإلقاء اللائمة على الحكومة كلها ويتهمها بالتقصير.
هذا في جانب المتابعة والمساءلة الرسمية، وتظل هناك المتابعة الشعبية، والتي من المفترض أن تلعب فيها السلطة التشريعية الدور الرئيس وذلك باستخدام الأدوات الدستورية المختلفة، دون إغفال دور الرقابة والنقد الصادر من قبل الصحافة والناس عبر وسائل التواصل والتعبير عن الرأي.
الفكرة فيما نقول بأننا نحتاج اليوم من السلطة التنفيذية أولاً «تقنين» تصريحات الوزراء والمسؤولين بحيث لا تتضمن نوعاً من التسابق بين المسؤولين للظهور في الصحافة والإعلام لمجرد الظهور، وهو ما يؤدي للإعلان عن خطوات والكشف عن مشاريع تظل قابعة في الأدراج أو عرضة للتعثر لفترة طويلة، بما يجعل المسؤول الذي صرح بها يوصف بأنه ضلل الناس أو خدعهم، وحينها لن «يبلع» الناس ولا الصحافة ولا النواب أية أعذار مثل «تعطلت الأمور بسبب الميزانية» أو «الخلل بسبب عدم تعاون الوزارات الأخرى».
الأعذار مرفوضة تماماً، وفي علم الإدارة الأعذار هي لغة الفاشلين، ونحن لا نريد لبلادنا أي نوع من الفشل خاصة في جانب تطوير الحراك والعمل الذي يمس المجتمع والناس، وعليه فإن مراقبة حتى تصريحات المسؤولين ووعودهم مسألة هامة لتثبيت مصداقية الدولة أولاً، ولمنع زيادة نسبة الاستياء لدى الناس ثانياً.
طبعاً هذه المعادلة لا تطبق فقط على الدولة، بل حتى على النواب بمتابعة تصريحاتهم، وعدم نسيان وعودهم وشعاراتهم الانتخابية، ومطالبتهم بتحقيقها، أو أقلها بيان نسبة التحقق منها.
مجتمع لا تقوم ممارساته على المتابعة والرصد ومعرفة نسبة الإنجاز وإقرانها بالمدى الزمني المرصود وتحقيق الأهداف الموعودة، مجتمع عاجز عن حفظ استقراره الإداري، بالتالي عاجز بالضرورة عن تحقيق أي إنجازات «حقيقية» مؤثرة.