وافقت على المشاركة في الفعالية التي تقيمها إحدى الجامعات في المملكة رغبة مني في مساندة أفكار الشباب الجديدة ودعمهم؛ حيث إن هذه الفعالية يشرف عليها الشباب الجامعي من الألف إلى الياء.
وفي يوم الفعالية وصلت في الوقت المحدد كعادتي؛ حظيت بترحيب جيد من قبل الطلبة المنظمين، ودعاني راعي الحفل، وهو عميد لشؤون الطلبة، لمرافقته مع ضيف الشرف لافتتاح المعرض المصاحب للفعالية والذي كان يعرض عدداً من مشاريع الطلبة التجارية، لفت نظري ضيف الشرف أو بالأحرى ضيفة الشرف!! حيث إن وجهها لم يكن مألوفاً بالنسبة لي، ولكن بلا أدنى شك بأنه مألوف عند معظم الطلبة الذين هبوا لالتقاط صور تذكارية معها.
كانت ضيفة الشرف بنتاً في مقتبل العمر وكانت ترتدي بنطالاً مثقوباً على حسب الموضة الدارجة هذه الأيام وصففت شعرها بتموجات غريبة تتناسب مع فئتها العمرية!!
تسلل الفضول إلى نفسي؛ من هي هذه الشابة الجذابة؟ هل هي مطربة جديدة أو ممثلة أم إعلامية؟ ولكن للأسف لم أتوصل لرابط، فدفعني الفضول للاستفسار لمعرفة ضيفة الشرف التي كان جميع الطلبة يتسابق للحصول على فرصة للسلام عليها والتقاط الصور معها.
فسألت إحدى المنظمات من هي ضيفة الشرف؟ وكأن سؤالي كان ينم عن جهل وغباء! قالت لي المنظمة «أيعقل أنك لا تعرفينها؟!»، واتسعت عيناها معلنة عن استغراب شديد وقالت «هذي مشهورة على الإنستغرام والسناب شات!»، قلت لها «مشهورة بماذا؟»، فالتفتت علي المنظمة وكررت «مشهورة.. عندها وايد فلوورز».
توقف بي العالم وجلست أفكر في ما قالته المنظمة لي، ماذا يعني أن الشخص مشهور على مواقع التواصل الاجتماعي ويكون لديه عدد كبير من الـ«فلوورز»؟ وهل هذا نوع جديد من الشهرة والتأثير على الرأي العام؟.
ولم يقطع تفكيري سوى بدء وقت محاضرتي التي أبيت أن آخذ لها مقابلاً مادياً من أجل دعم ونجاح هذه الفعالية التي يشرف عليها عدد من الشباب الجامعي، وبدأت في المحاضرة وفجأة طلبت ضيفة الشرف الكلمة وأخذت تتكلم عن تجربتها في الإتيكيت الاجتماعي، وذكرت بأنها تلتقي بالعديد من المسؤولين والشخصيات المجتمعية أثناء عملها، وقد سنحت لي الفرصة الآن أن أسألها مباشرة عن ماهية عملها فأجابت «أنا بلوقر.. لدي متابعون وأروج لأي فعالية أو منتج على حسابي عبر وسائل التواصل الاجتماعي».
المهم؛ بعد انتهاء محاضرتي قال لي أحد الأساتذة في الجامعة «هل تعلمين أن أجرة هذه البلوقر في الساعة 6 آلاف دينار بالإضافة إلى تذكرة على الدرجة الأولى وسكن في فندق 5 نجوم ولموزين خاص!». لا أنكر بأن حالة من الاندهاش السلبي اعترتني آنذاك ورحت أغبط ضيفة الشرف على عملها.
ولم أؤجل الموضوع، وتناولت هاتفي وطلبت من ضيفة الشرف أن تزودني بحسابها على الإنستغرام والسناب، ومنذ ذلك اليوم وأنا مهتمة جداً بمتابعة البلوقر سواء هي أم غيرها وأتعقبهم للقيام بدراسة تحليلية لهذا النوع الجديد من الدعاية والإعلان الإلكتروني.
المثير في الأمر أن هؤلاء «البلوقر» متشابهون جداً، فهم يصورون أحداث يومهم بتفاصيل دقيقة ويقومون بالترويج للفعاليات بطريقة غريبة جداً «راح أكون في المطعم الفلاني في المكان الفلاني حياكم تعشو معاي»، «اليوم راح أسوي أسناني عند الدكتور الفلاني.. انتظرو النتيجة» وأحياناً يفتحون فقرة للأسئلة الخاصة «بالنسبة لمواصفات فارس أحلامي..»، وهناك نوع ثان لا يروج للبضائع بل يروج للأفكار «عاد الله والأفكار»، يجلس الشخص منهم في سيارته أو في زاوية من بيتهم وكأنه مجرم يروي تفاصيل جريمته، ويبدأ في إبداء رأيه في موضوع ما أو يروي لنا قصصاً غير مترابطة، والأكثر دهشة من ذلك بأن عدداً كبيراً لا يستهان به يتابعهم وهو ما يشجعهم للاستمرار.
أعلنت لي إحدى صديقاتي بأنها تتمنى أن تكون «بلوقر» ذات شهرة وأنها تسعى لذلك، فسألتها عن الدافع من وراء هذه الرغبة فقالت «أبي آكل وألبس وأسافر ببلاش!».
أنا لست ضد «البلوقر» مطلقاً؛ وهناك عدد منهم رائعون جداً ويطرحون العديد من الأفكار الراقية، وهم من أصحاب الخبرة والتخصص وينتقون مواضيعهم بدقة بالغة، ولكن هناك عدد كبير أستطيع أن أؤكد بأنهم نسخ مكررة من بعض في قمة السطحية في الطرح. أحترم جميع «البلوقر» باختلاف تصنيفاتهم، ولكن يجب أن أعبر عن قلقي بأننا أصبحنا بالفعل نصنع من الأشخاص الخطأ «مشاهير»، وأصبحنا ننجرف وراء هذه الموضة الرائجة حالياً، أكرر أنا لست ضد فكرة «البلوقرز» للترويج والإعلان الإلكتروني أو حتى ترويج الأفكار، فعدد المتابعين هو مقياس النجاح، والجمهور «عاوز كدة»، ولكن علينا أن نتوخى الآثار السلبية الناتجة من وراء متابعة البلوقرز.