تكمن أهمية تصريح رئيس الأمن العام، اللواء طارق الحسن، بشأن ضبط الجرائم والقبض على مرتكبيها وتأكيده أن هذا العمل اختصاص أصيل لرجال الشرطة في أنه وضع حداً لـ«محاولات الاجتهاد» التي رأى البعض أهمية القيام بها في مرحلة معينة تمر بها البلاد، فهذا التصريح الحازم يضع حداً لتلك المحاولات التي تتجاوز اختصاصات المعنيين بالأمن، فالأمن مسؤولية الدولة، ومسؤولية الأفراد والمؤسسات على اختلافها تكمن في الالتزام بالقانون وعدم الدخول على خط مسؤوليات الدولة.
ما حدث أخيراً ملخصه أن البعض، وبسبب العمليتين الإرهابيتين اللتين وقعتا في مسجدين بالقطيف والدمام، شعر أن طائفته مستهدفة وأنه صار لزاماً عليه أن يقوم بعمل ما يشعره بأنه تحمل المسؤولية، وأنه بفعله هذا يوفر الأمان المطلوب للمصلين في بعض المساجد. هذا الإحساس بالمسؤولية، وإن كان أمراً طيباً ويعبر عن صفات جميلة ومحمودة، إلا أنه يدخل أصحابه في مساحة لا تخصهم، فيتسببون في إيجاد حالة من الارتباك يتضرر منها الوطن والمجتمع.
مسؤولية الأمن تقع على الجميع من دون استثناء، لكن لكل دوره ومهمته، وليس مقبولاً من أحد الدخول في مساحات الآخرين أياً كانت المبررات. وكما أن مسؤولية صد الكرات في مباريات كرة القدم باستخدام اليدين هي مسؤولية حارس المرمى الذي عليه أن يبذل كل الجهد كي لا يحرز الفريق الخصم هدفاً، كذلك فإن مسؤولية منع وقوع عمليات التخريب والاعتداء على المصلين هي مسؤولية وزارة الداخلية ورجالها الذين تم تدريبهم على صد كرات الإرهابيين كي لا يحققوا أهدافهم.
لا يمكن للمواطن أن يقبل من غير رجال الأمن منعه من دخول مكان ما وتفتيشه وسؤاله عن الهدف من دخوله ذلك المكان، لأنه يعلم أن هذا العمل من مسؤوليات رجال الأمن، لهذا لا يتمكن من منعهم أو الامتناع عن الإجابة عن أسئلتهم. لكن يمكن لهذا المواطن أن يمنع غير رجال الأمن من سؤاله وتفتيشه لأنه يدرك أن هذا العمل ليس من اختصاص هؤلاء وأنهم دخلوا هذه المساحة عنوة.
ترى كيف لمن سمح لنفسه بالدخول في هذه المساحة أن يتصرف لو أن مواطناً قصد مسجداً معيناً للصلاة ورفض أن يخضع للتفتيش والالتزام بتنفيذ التوجيهات والأوامر؟ وكيف سيتصرف لو أن مجموعة من المصلين رفضوا التفتيش؟ هل سيلجأ للشرطة؟ وإذا لجأ للشرطة هل سيقول لهم إن هؤلاء يرفضون الاستجابة لتعليماته؟!
مسؤولية الأمن هي من مسؤوليات الدولة وهي من مهام وزارة الداخلية التي سخرت لتوفير الإحساس بالأمن والأمان للمواطنين والمقيمين والسائحين كل إمكاناتها وتوفر لها القانون الذي يبين مهام رجال الأمن ومسؤوليات الآخرين. لذا فإن أحداً لن يقبل من غير رجال الأمن ممارسة هذا الدور أياً كانت الأسباب.
الإحساس بالمسؤولية أمر جميل، والحرص على عدم تكرار ما حدث في القطيف والدمام في المساجد هنا أمر مبرر ومشروع، لكن كل هذا لا يجيز السماح لغير رجال الأمن القيام بتوفير الأمن للمصلين ولغير المصلين.
لنتصور أن مجموعة من المواطنين ومن منطلق خوفهم على الجميع وشعورهم بأن عليهم واجباً تجاه الوطن والمجتمع عليهم أن يقوموا به نصبوا نقاط تفتيش عند بوابات المجمعات التجارية، فهل سيقبل أولئك الذين نصبوا نقاط تفتيش عند بوابات بعض المساجد أن يخضعوا للتفتيش أو يمنعوا من التسوق في وقت أو آخر؟ السؤال الذي سيتبادر إلى ذهنهم هو؛ أين الدولة؟ ولماذا سمحت لهؤلاء القيام بهذا العمل الذي هو من اختصاص رجال الأمن؟!
فتح هذا الباب سينتج ميليشيات ويوجد دولة بل دولاً داخل دولة، وكل هذا يؤدي إلى فقدان الأمن الذي هو مسؤولية الدولة ومهمة وزارة الداخلية ورجال الأمن.