في ظل الجنون والفوضى والاضطراب العنيف الذي يشهده الإقليم، سواء على الصعيد السياسي أو العسكري أو الأمني أو الاقتصادي أو الاجتماعي، لم تسلم أي دولة من الخراب الذي لحق بها بسبب عاصفة الربيع العربي وتبعاته، حتى ولو اختلفت نسبة الأضرار والكوارث من دولة إلى أخرى، إلا أن الأذى أصاب جميع دول الإقليم، خصوصاً الدول العربية.
المكان الوحيد المستثنى من هذه الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط هي دولة «إسرائيل»، فبعد أربعة أعوام من هذا المشهد المرعب مازال الكيان الصهيوني في أفضل مأمن من عنف الأحداث، وهذا يعطينا مجموعة من الدلالات الواضحة والإشارات الصريحة بأن إسرائيل وبعض دول الغرب يقف خلف هذه الفوضى، وما ساعدهم على تمرير محنتنا هو وجود دول صديقة لهم تقبع في الجوار، وكذلك وجود أعداد كبيرة من المتطوعين من الشباب العرب، أولئك الذين تم غسل أدمغتهم لينخرطوا في أعمال جهادية غير واعية ولا آبهة بمصير ومستقبل هذا الإقليم.
نحن اليوم أمام تحدٍ حقيقي يلوح صداه في الأفق، وهو أن هنالك دولاً خارجية تسعى لتغيير خريطة الوطن العربي عبر أهداف مرسومة سلفاً، ويتم ذلك عبر دول أجنبية تتآمر على العرب، ولأن العرب مشغولون بأنفسهم، استغل بعضهم هذا الفراغ السياسي والفكري وحتى العقائدي ليجند من أبنائنا الكثير منهم لتنفيذ مشاريع التقسيم، وهذا لا يمكن أن يكون قبل إحداث فوضويات مصطنعة وخطيرة، تمهد السبيل إلى الدول المتآمرة على الوطن العربي لإكمال بقية مشهد تفتيت المنطقة.
إسرائيل هي الدولة الوحيدة اللقيطة التي تتفرج على آخر الإصدارات والإحداثيات الإرهابية التي تشهدها المنطقة العربية، فالجهاديون أضاعوا البوصلة، ومن جهة أخرى مارس الغرب تضليله السياسي والإعلامي من أجل طعن الوطن العربي في خاصرته، إضافة لمجموعة من الإلهاءات التي مازالت تمارس في جنح الظلام.
إسرائيل اليوم بلا احتجاجات ولا مظاهرات ولا عنف ولا انهيار اقتصادي ولا تفجيرات ولا أي نوع من أنواع الحراك الشعبي، على الرغم أنها على بعد عدة أمتار من دول الربيع العربي، بل نستطيع الجزم بأنها من أكثر دول العالم أمناً واستقراراً على كل الأصعدة.
هذه الحقيقة تفجر في عقولنا مجموعة كبيرة جداً من الأسئلة المنطقية حول مصير إسرائيل وبقية الدول العربية، وكيف أن هذه «الدولة المنبوذة» عربياً وإقليمياً باتت أكثر استقراراً من بقية الدول الإقليمية، فالأمن في إسرائيل أكثر صلابة وهدوءاً من العرب، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن لهذا الكيان الغاصب لفلسطين يداً طولى في دمار هذه المنطقة المشحونة بالنفط والخيرات.
انشغل العرب بربيعهم الدموي، في حين تفرغت إسرائيل لبناء المستوطنات واستجلاب وشحن يهود العالم إلى أرض الميعاد، وبين الانشغال والاشتغال تنهار دول عربية وينتعش كيان غاصب، فهل سنستوعب هذه المعادلة؟ أم سنظل نلاحق الخرافات السياسية من «زنقة إلى زنقة ومن دار إلى دار ومن وطن إلى وطن»؟ نرجو من العرب أن يصحوا ولو قليلاً لتقييم أوضاعهم وتصحيح مدارهم الخاطئ، فالوقت لا يسعفهم حتى ليرموا حجراً باتجاه تل أبيب.