«وليس أدل على الغباء من التزمت وصنع الوقار وادعاء الهيبة».. يوسف السباعي.
الساعون للفرقة والخلاف بين أطياف الشعب الواحد «السنة والشيعة» لا تنضب مخيلتهم أبداً، ولا يكفون عن إنتاج كل جديد في دنيا التحريض، ففي الخميس الماضي خرج علينا ما يسمي بـ«كبار العلماء في البحرين» ببيان في منتهي الغرابة والشكل، قالوا فيه: «الخطر الذي يتهدد المساجد والألوف من المصلين ليس من طبيعته أن يقبل التحرز منه الانتظار، فإنه خطر مداهم سريع الفاعلية في التدمير والقتل الهائل للمستهدفين، خطر لا بد من مواجهته بالاحتراس المبكر لأنه يحدث في ثوان ليحطم كل شيء وينهي الحياة في سرعة البرق للعدد العظيم، وهذا الخطر لا ينتظر لحظة وصوله المباغت ليستغيث مستهدفوه بمن يقف على التل من بعيد (....) إن الذين يتصدون لحراسة المساجد ومصلى الجمعات وهم من أبناء هؤلاء المصلين وإخوانهم لا يمثلون تهديداً لأي جهة من الجهات ولا يدخل في هدفهم شيء من ذلك، ولا يملكون تدريباً عسكرياً ولا تسليحاً، وإنما هم مضحون بأرواحهم من أجل حماية أهليهم وتقليل الخسائر عند حدوثها لا سمح الله بأن يكونوا كبش الفداء عن الجموع الغفيرة من المصلين، ومن وسوسة السياسة، ومن التهويل الفاحش السيئ أن يقال بأن هؤلاء المحسنين يمثلون خطراً على الدولة، وأنهم ميليشيات عسكرية يخاف منهم على الأمن. إن الوقوف في وجه هذا العمل المحسن التبرعي إضراري حتى لو لم يقصد منه الإضرار، ويترتب أن يحمل الناس الحكومة عند أي حادث سوء في مسجد من المساجد لا سمح الله مسؤولية لا يسمع معها اعتذار».
سأكتفي بهذا القدر من الاقتباس لأن أكثر من ذلك سيدفعك عزيزي القارئ إلى الرغبة في التقيؤ من الكلام، لكن لدي سؤال مهم يشغلني بشدة؛ كيف لعاقل أن يصدق أن هذا البيان صادر من علماء دين من المفترض أن يكونوا عنوان الحكمة وتاج الوقار ورمز الرأي السديد والنصيحة، نتلمس منهم السماحة والمشورة والرفق، بصفتهم عقلاء القوم!!
دعني أولاً أتوقف مؤقتاً لأحرم هواة الصيد في الماء العكر من ممارسة هوايتهم، فأقول لهم إنني ألعن «حالش» و«ماعش» بنفس القدر الذي ألعن فيه «داعش» وكل شخص وفكر وجسد، ثبت تورطه في عمليات الإرهاب في أي بقعة من بقاع العالم، بالتنفيذ والتمويل والتحريض، فهل يكفيكم ذلك؟
ثم لننتقل إلى تفصيل ما جاء في البيان، لأن الأمر برمته يبعث على الحزن والضيق، فإذا كان هذا منطق عاقلكم، فالله يعيننا على مجنونكم.
السادة «العلماء الأجلاء» يدعون إلى تشكيل ميليشيا على غرار ميليشيا الحشد الشعبي العراقي، ولاحظ الهدف حسبما جاء في بيانهم: «هدفهم حماية أهليهم»، وأرجوك عزيزي القارئ أن تتوقف برهة قصيرة وقارن بين ما قيل في البيان وما كان يقوله مقتدى الصدر حين شكل ميليشيات «جيش المهدي»: «الهدف من تشكيل الميليشيات لحماية المراقد المقدسة»، وما كان يقوله حسن «زميرة» حين دخل سوريا بميليشياته: «نحن ذهبنا إلى سوريا لحماية مرقد السيدة زينب»!!.
في الحالات الثلاث تكررت «الحماية»، ثم بعد ذلك يعمدون لقتل أهل السنة، كما فعل مقتدى الصدر في العراق وحسن «زميرة» في سوريا، ولا أدري لماذا الإصرار على تقليد مساوئ الناس بل أسوأ الكائنات؟
لماذا تتبعون خطى المتردية والنطيحة؟ لماذا لا تتعلمون من شيعة السعودية، عندما أصابهم الإرهاب التف جميعهم حول الدولة وأصدر علماؤهم بياناً يؤكدون خلاله ثقتهم في الأمن ورجال الشرطة؟
ماذا تريدون؟ هل تريدون أن تلغوا الدولة وتحلوا محلها؟
أنتم تريدون أن تصنعوا دولة داخل دولة على غرار حزب الله لتعظيم الفتنة وتوسيع رقعة الخلاف وإثارة المزيد من النعرات الطائفية بين السنة والشيعة، هذا هو هدفكم ومبتغاكم من هذا كله، ولن تطيب لكم الحياة إلا بعد أن تنشروا الفوضى وتسقطوا الدولة وتصل الدماء إلى الركب.
العجيب أن جمعية الوفاق صاحبة ماركة «السلمية»، كما تقول، وشعار «إخوان سنة وشيعة»، كما تدعي، هي من نشرت هذا البيان وكأنها تقر ما جاء فيه، بل أجزم أنها من أنصار تشكيل ميليشيات، والدليل على كلامي ذلك المشهد الفج، حين وقف أحد أعضائها في مهرجان خطابي بمنطقة سار بتاريخ 6 سبتمبر 2013 رافعاً الراية الخاصة لميليشيا ما يسمى «14 فبراير» الإرهابي بعد أن تسلمها من شخص ملثم تابع للتنظيم، وكلكم تتذكرون هذا المشهد بالتأكيد!!
لذلك ولذلك كله لن يكون هناك مصالحة وطنية أو حوار وطني، ولن تقوم لنا قومة ولن تعود اللحمة الوطنية ولن يعود النسيج الاجتماعي متماسكاً كما كان، مادام أمثال هؤلاء جاثمين على صدورنا يعيثون في ما بيننا الفتن.
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.