لم يخفِ الصفويون رغبتهم في الاستيلاء على الحكم في الدول الخليجية، ولم تخفِ إيران عداءها لهذه الدول، بل نشرت أهدافها تجاهها بالتفصيل علناً، لكن مع الأسف هذه الدول لم تأخذ حذرها، بل إن بعضها ساعد في تنفيذها، فما تمر به البحرين اليوم هو جزء من هذه الخطة، حيث إن هناك من المسؤولين في الدولة ومؤسساتها من لم يطلعوا عليها، أو أنهم اطلعوا عليها لكن لم يتولد لديهم أي شعور سلبي ولا إيجابي، شعور أقلها أن يعمل على الحد من تنفيذ هذه الخطة، ولكن مع الأسف كان هناك من يشد على أيديهم ويفتح لهم الأبواب.
من بنود هذه الخطة هي السيطرة على المدن، حيث تقول: «هناك في بعض الدول قرى متفرقة في طور البناء، وهناك خطط لبناء عشرات القرى والمدن الصغيرة، فيجب أن يشتري هؤلاء من المهاجرين العملاء الذين أرسلناهم أكبر عدد ممكن من البيوت في تلك القرى ويبيعوا ذلك بسعر مناسب للأفراد والأشخاص الذين باعوا ممتلكاتهم في مراكز المدن، وبهذه الخطة تكون المدن ذات الكثافة السكانية قد أخرجت من أيديهم»، ومثل هذه الخطة قد تم تنفيذها بنجاح في بعض قرى ومناطق البحرين والدول الخليجية الأخرى، ولكن سنتحدث عن البحرين لنرى لأي مدى وصل هذا التغلغل في ظل عدم الانتباه لمراقبة حركة البيع والشراء في هذه المناطق، حيث اكتشف أخيراً مثلها في المحرق، فمناطقها مازالت تتغير فيها التركيبة السكانية يوماً بعد يوم، خاصة توسع العمران بدرجة ملفتة للنظر.
إن الدول الخليجية تمر بمرحلة خطيرة، وهي مرحلة وصل فيها التغلغل الإيراني -لهذه الدول- عبر العملاء والأتباع الذين أعلنوا عصيانهم على الدولة، وهذا العصيان إن خف تارة فهو أيضاً ضمن تغيير الخطة التي يمكن تأجيلها أو تجميدها مؤقتاً حسب الظروف، حتى تعود لهم ثقة الدولة مرة ثانية، فتأخذ بمشورة بعضهم، والذين حددت الخطة مواقعهم ومواقفهم، فمنهم من يعلن عداءه للدولة، ومنهم من يتظاهر بأنه صديق حميم للحكم بإعلانه معارضته للانقلابيين، وهذا بالتحديد ما جاء في هذه الخطة: «.. في المرحلة الرابعة قد تهيأ أمامنا دول بين علمائها وحكامها مشاحنات، والتجار فيها على وشك الإفلاس والفرار، والناس مضطربون ومستعدون لبيع ممتلكاتهم بنصف قيمتها ليتمكنوا من السفر إلى أماكن آمنة، وإن عملاءنا ومهاجرينا في وسط هذه المعمعة سيعتبرون وحدهم حماة السلطة والحكم، وإذا عمل هؤلاء العملاء بيقظة فسيمكنهم أن يتبوؤوا المناصب المدنية والعسكرية العليا، ويضيقوا المسافة بينهم وبين المؤسسات الحاكمة والحكام، ومنها يمكن بسهولة أن نصور المخلصين لدى الحكام على أنهم خونة، مما سيؤدي إلى طردهم واستبدالهم بعناصرنا، وإن سخط أهل السنة سيزداد عند ازدياد قدرة عملائنا في الدوائر الحكومية، وعلى عملائنا أن يقفوا بجانب الحكام ليدعوا الناس إلى الصلح والهدوء، ليكسبوا ثقة الحكام». الخطة هذه مكتوبة، ولكن تحتاج إلى إعادة التذكر ومطابقتها بالواقع الذي يحدث في البحرين وفي دول خليجية، ومثال على ذلك الكويت، التي نفذت فيها هذه الخطط بسرعة أكبر وأكثر، وإن كانت بقية الدولة لم تصل إلى مرحلة إعلان عملاء إيران عصيانهم أو حركاتهم الانقلابية في الدولة، إلا أنهم قد نفذوا جزءاً كبيراً من الخطة من شراء العقارات والسيطرة على الاقتصاد، حتى أصبحوا يملكون أكبر الشركات، أو أن أتباعهم وميليشياتهم الموالية لإيران تمكنت من هذه الشركات والمؤسسات بتبوئهم المناصب العليا، التي -بالطبع- منها سيتم التعليم والتدريب وفتح المجال للتوظيف لأتباعهم في المجالات الهندسية والطبية، وغيرها من ضروريات تتطلبها الخطة الخمسينية، حين تكون وصلت إلى مرحلة الانقلاب على الدولة علناً، وقد كان هذا واضحاً وجلياً في المؤامرة الانقلابية في البحرين التي يجب أن تكون درساً كافياً لبقية دول الخليج. وقد وجه الدكتور عبدالرحيم البلوشي الرسالة هذه عام 1419هـ، حيث قال فيها «بعد تولي إيران رئاسة «المؤتمر الإسلامي»، فهل ستعدل إيران من خطتها؟ لا نظن ذلك، وهذه الرسالة تؤكد ذلك وحدها، وهذا ما أعلناه ونحذر منه إخواننا في كل مكان»، وهي الرسالة الموجهة من شورى الثورة الثقافية الإيرانية تجاه الدول الخليجية.
إن الثورة الخمينية وضعت لخطتها خمسين عاماً، في ظل عدم وجود أي تحرك من أي دولة خليجية ولو لمرحلة عدة سنوات قادمة للحد من هذا التغلغل الصفوي في مدنها ومؤسساتها. وهنا يأتي دور المستشارين والخبراء والساسة والاقتصاديين الذين لم يتطرقوا في دراساتهم إلى هذه الأخطار التي دفعت ثمنها البحرين، حيث استطاع بعض عملاء إيران أن يملؤوا هذا الفراغ، عندما استطاعوا أن يتبوؤوا المناصب العليا، ويظهروا بمظهر الداعين للصلح، ومنه يكملون إنفاذ الخطة عندما تقدم لهم الدولة المناصب مكافئة لهم، ولكن في الأخير لا نقول إلا ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، والله المستعان.