اليوم الثلاثاء يعقد مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقات «دراسات» بمقر المركز في عوالي ندوة مغلقة عنوانها «الاتفاق النووي الإيراني» يشارك فيها نخبة من المهتمين بالشأن الخليجي والدولي والإعلاميين. الندوة تناقش عدداً من القضايا المهمة التي تتعلق بهذا الملف والخيارات الاستراتيجية لدول مجلس التعاون تجاه الاتفاق واعتمدت لها محورين أساسين؛ الأول يناقش التداعيات الأمنية والسياسية والاقتصادية للاتفاق، والثاني يستعرض خيارات دول مجلس التعاون تجاهه.
هذه الندوة التي تأتي تأكيداً لقدرة المركز على مواكبة التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة تأتي أيضا في الوقت المناسب، حيث من المتوقع أن يتم التوقيع على الاتفاق بين إيران والغرب في شأن الملف النووي قبل نهاية الشهر الجاري، وهو ما يعني أن المنطقة يمكن أن تشهد تغيرات دراماتيكية ملخصها انحياز الغرب لإيران وغض الطرف عن محاولاتها لتسيد المنطقة وزيادة جرعة إيذاء جيرانها، فالمصالح تحكم، ومصلحة الغرب من الملف النووي وما يتضمنه الجزء غير المعلن من الاتفاق تجعله يوافق على الكثير من الأمور ولا يمتنع عن بيع الأصدقاء، لهذا فإن السؤال الذي يطفو الآن على السطح بقوة بالنسبة لدول مجلس التعاون هو؛ ماذا أنتم فاعلون وكيف ستتصرفون وأنتم تشهدون هذا الاتفاق وهذه المتغيرات التي تأتي رغم كل ما فعلتموه لتضمنوا عدم تضرركم من النووي الإيراني والتأكد من سلميته؟
الواضح الآن أن مرحلة التحفظ على النووي الإيراني قد انتهت فلم يعد مناسباً الحديث عن احتمالات تضرر المنطقة من هذه الخطوة ولم يعد نافعاً العمل على منعها، فقد جرى القلم. الاتفاق بين إيران والغرب يعني أن المنطقة على أعتاب مرحلة جديدة بدت ملامحها قبل حين ويمكن تلمس جوانب منها في الصراع الدائر في سوريا والعراق واليمن وغيرها، وبما أن التراجع عن هذا الاتفاق لم يعد ممكناً لذا صار على دول التعاون أن تعمل على مسارين لا ثالث لهما؛ الأول هو ضمان عدم تضررها بشكل مباشر أو غير مباشر من هذا الاتفاق بشقيه المعلن وغير المعلن، والثاني هو محاولة الاستفادة من الوضع الجديد الذي سينتج عن هذا الاتفاق والتكيف مع المستجدات من منطلق أن الدول مصالح.
يقول المثل العربي «إذا كنت مأكول الطعام فرحب»، ونحن للأسف اليوم مأكلو الطعام، لذا فإنه ليس أمامنا سوى الترحيب وسوى التكيف مع الوضع الجديد والسعي كي لا نتضرر من هذا الاتفاق أو على الأقل لا يكون الضرر كبيراً، وهذا يكون بوضع النقاط على الحروف في العلاقة التي تربط الدول الخليجية بالولايات المتحدة والغرب وبإيران، ويكون بتوظيف الثروات بغية إيجاد المقابل الذي يضمن لدولنا عدم الخضوع لابتزاز إيران فنسارع كمنظومة خليجية إلى إنشاء نووي خليجي سلمي، وهو أمر ممكن ولا يستغرق الكثير من الوقت بسبب توفر المال وغياب الأسباب التي تجعل الغرب يتحفظ على مثل هذا المشروع بالكيفية التي تحفظ بها على المشروع الإيراني كونه يعرف مرامي إيران ونواياها.
لم يعد الوقت مناسباً لـ «الولولة»وندب الحظ وتوجيه الاتهامات للغرب ولإيران، فالبكاء في مثل هذا مضيعة للوقت وللجهد. المناسب هو العمل على ذينك المسارين؛ التكيف مع الواقع الجديد ومنع الضرر المتوقع بالعمل على إيجاد المقابل الموضوعي الذي يمكن أن يوفر التوازن المنشود في المنطقة. وكما أن من حق إيران أن تبني وتحمي نفسها فإن على دولنا أن تؤمن أيضاً بأن من حقها أن تفعل الشيء نفسه، وأن تستفيد من هذه الواقعية في التفكير فتصدر قرارها بإنشاء المشروعات التي تشعرها بأنها في أمان وبأن النووي الإيراني لن يكون سبباً في التحكم في قراراتها ومواقفها ولن يكون وسيلة لابتزاز ثرواتها ومستقبلها.