لا شك في أنه يوجد من الأخبار والأحداث ما يثير مقالات وليس فقط مواضيع، وإنما كان يعز عليّ في بداية هذا الشهر الفضيل، شهر السماحة والرحمة والغفران، أن تكون كلماتي لاسعة أو فيها شيء من الانتقاد لما يدور حولنا لبعض المواقف التي تهزنا إنسانياً، بغض النظر عن الأعراف والأديان والانتهاجات والسياسيات.
وقلت في نفسي لا بد من نظرة إيجابية رغم الظروف العصبية والنظر إلى النصف الممتلئ من الكوب، وإن كان هذا الكوب ممتلئاً من رحم الأحزان والآهات والقهر والعذاب.
ومع هذا، ورغم استيائي من محاولة المنتجين إلى إغراق العقول البشرية بالكَم الهائل من المسلسلات التلفزيونية، وكيف سمح البعض لنفسه من الإطلاق على «شهر الرحمن» بشهر المسلسلات بدلاً من شهر الطاعات والكرامات والعطاءات الإلهية التي لا تعد ولا تحصى. فكان عليّ بالمقابل ألا أغض النظر عن فرحتي لبعض من «الإعلانات التجارية» والتي كانت تشجع على عدم الإسراف في المأكل والمشرب، وكيف لنا أن نشعر بالفقير سواء من كان منا قريباً أو بعيداً، وأنه لا بد أن نأخذ المبادرة ونساعد وألا تكون المساعدة مجرد نية قيد التنفيذ.
فكانت الإعلانات تعكس صراحة السُفر الرمضانية أنها مليئة بما لذ وطاب من الأصناف التي تجذب العين وتشتهيها الأنفس، وأنه ما يمكن أن نراه بقايا لطعامنا مرقدها أكياس النفايات يوجد غيرنا الكثير من ينظر إليها على أنها وجبات حقيقية يُطفئ بها غارات الجوع والعطش التي تكون مسيطرة عليه وعلى أبنائه..
لذلك لا أخفي عليكم مفاجأتي عندما شاهدت مؤخراً تفسيراً لأحد الباحثين الإسلاميين وهو علي منصور الكيالي، وتفسيره الفرق اللغوي ما بين مصطلحي الصيام والصوم. حيث أنني كنت أعتقد أن الكلمتين تصبان في نفس المعنى، واستوقفتني القدرة الإلهية في البلاغة حيث أننا ملزمون بالصوم طيلة الاثني عشر شهراً في السنة، وإنما الصيام فقط شهراً واحداً في السنة. فالمقصود من الأولى قول الحق والعمل به، وأما الصيام فهي الفريضة التي شرعها الله عز وجل وهو ترك المأكل والمشرب والامتناع عن الشهوات النفسية من بزوغ الشمس لغروبها.
فرسالتي أخص بها نفسي أولاً ومن ثم أي شخص تمر عليه ويقرؤها، دورنا ليس فقط بأن نفتكر ونتفكر بمن لا يمتلكون قوت يومهم، وإنما أن نأخذ المبادرة وأن نمد يد العون الحقيقية بمحبة ونقدم لمساعدتهم، فإن كانت نفسنا البشرية تغلبت على غرائزها الدنيوية وأخذت المبادرة واستطاعت أن تتحكم بجهاز التلفاز، فالأولى أن نطفئ شمعة الجشع والطمع التي تحرقنا أولاً بشراهتنا وجشعنا ونطفئ ظمأ المحتاجين والمعوزين والفقراء والمساكين.
صدقوني فالخير نهر لا ينضب إذا تمثل بعطاء حقيقي من القلب..