ما هي عقلية أو مستوى ذكاء الجمهور الذي يصدق أن لبنان والعراق هما أفضل مثالين عربيين حالياً للدولة المدنية؟ من هو الجمهور الذي يصدق أن أفضل حلم يناله البحريني هو أن يكون له نص دستوري مشابه أو مطابق للمثالين اللبناني أو العراقي؟ على حد علمي أن النص جاء لخدمة الإنسان وليس العكس، فإن كان العيش في لبنان أو العراق حلماً بسبب نصوصهما الدستورية فلمَ يهاجر الملايين من الدولتين، وبعضهم يأتي للعيش عندنا ونحن ليس لدينا نص “رائع” كنصهم؟!! أنا لا ألوم المجموعة العراقية أو اللبنانية حين “تتعصب” لمجموعاتها المماثلة البحرينية، فتخرج في العراق مجموعات تتظاهر متعاطفة مع مثيلاتها في البحرين أو تقيم ذات المجموعة في لبنان معرضاً يتعاطف مع (معاناة) الشعب البحريني، كما لا ألوم المجتمع الدولي إن صدق أن البحرين متخلفة ومتأخرة وشعبها يعيش البؤس المعيشي وبؤس الحريات. لا ألومهم جميعاً، إنما ألوم هذا الجمهور البحريني الذي يصدق قيادته السياسية إذ تقول له إن العيش في بلد نسبة البطالة فيه 25% كلبنان أو العيش في بلد نسبة البطالة فيه 40% كالعراق هو الحلم البحريني!! الجمهور البحريني الذي يلحق بالوفاق ويصدقها في كل ما تقول، جمهور صدقها بأن العقد الاجتماعي الذي نظم حياته السياسية في البحرين لمدة عشر سنوات، ألا يسأل نفسه كيف نجحت سلطات ثلاث تشريعية وتنفيذية وقضائية جاءت من رحم هذا النص ونجحت في خفض البطالة إلى نسبة أقل من 4% ورفع دخل الفرد إلى أكثر من 40 ألف دولار في السنة؟ وكيف فشل نص دستوري رائع كالعراقي في أن يعطي للإنسان العراقي واحداً على عشرة مما أخذ المواطن البحريني؟ ألا يقف البحريني من هذا الجمهور أمام الأرقام العراقية لحظة يتفكر فيها، فقد قال نائب محافظ البنك المركزي العراقي مظهر محمد صالح إن متوسط دخل الفرد العراقي ارتفع من 4 آلاف دولار إلى 4 آلاف وخمسمائة دولار خلال عام 2011، وتقارير الأمم المتحدة أشارت إلى أن أكثر من سبعة ملايين عراقي يعيشون تحت خط الفقر في البلاد، رغم امتلاك العراق لكم من النفط والغاز، هذه الثروة الحيوية الهائلة التي تضعه في مقدمة الدول النفطية بالعالم، فإن الدخل اليومي لمعظم العراقيين لا يتعدى الـ ( 2.2 ) دولار أمريكي. وتزيد نسبة البطالة في العراق عن 40% وبعض التقارير تقول إنها إلى 50%. فهل كان النص الدستوري (الحلم) في خدمة الفرد العراقي؟ أم أنه كان في خدمة القيادات السياسية العراقية؟!! البلد الآخر الذي يحلم بعض البحرينيين التمثل به لا يزيد متوسط دخل الفرد فيه عن 7600 دولار، وتتعدى نسبة البطالة في لبنان الـ 20%، ورغم ذلك يقيم فيه رئيس برلمانها معرضاً يتحدث فيه عن (معاناة أهل البحرين)!! إيران ولبنان والعراق التي هاجر أبناؤهم بالملايين هرباً من القمع ومن عدم الأمان ومن قلة فرص العمل ومن الفقر أصبحت حلم بعض البحرينيين لأن لديهم نصوصاً دستورية (رائعة)، والمفارقة أن أبناء تلك الدول يلجأون للبحرين، فكيف تستقيم المثالية هنا؟ وكيف يكون نصهما الدستوري أفضل لخدمة الفرد هناك؟ أكل تلك الحقائق غير كافية ليصحو السائر في النوم من نومه.. لعن الله التعصب. إنه التعصب الأعمى، وإلا ما الذي يجعل من هذين البلدين التعيسين معيشياً العريقين تاريخياً العظيمين شعباً حلماً لفرد دخله في بلده أكثر عشرة أضعاف، وفرص عمله أكثر بأربعين مرة من دخل وفرص الفرد في إيجاد وظيفة أكبر، ولديه كل الحرية في التعبير والعمل السياسي، ومع ذلك ما الذي يجعل تلك الدولتين أفضل؟ هل لأن نصهما الدستوري منح أحد الأحزاب هيمنة على مقاليد الحكم والقرار؟ ألا يعتقد مقلدو خامنئي ومقلدو السيستاني أنهم يتبعون خطى مرجعياتهم ويقودون الشعب البحريني إلى ذات المصير الذي قادوا إليه الشعب العراقي والشعب اللبناني فيتدنى مستوى الدخل ونسبة البطالة ويفتقد الأمن ويبدأ أهلها بالهجرة. انظروا للعراق اليوم؛ بل انظروا لشيعة العراق اليوم، من منهم يعيش في النعيم الموعود؟ الجواب قاله السيستاني.. أليس هو مرجعيتكم؟ لقد قالها لكم إن من ينعم بالمكاسب هم قادة الحزب فقط.. هم الوحيدون الذين يتمتعون بالحراسة والأمن والمكاسب المالية، أما الشعب العراقي بمن فيهم الشيعة فمن سيئ لأسوأ، فماذا فعل لهم النص؟ ماذا حققت لهم الأداة؟ وماذا حققت لهم المرجعية؟ على حد علمي النص أداة لخدمة الإنسان وليس العكس. قيادات الحزب في البحرين تعلم ذلك إنما لا يهمها، المهم أن تسخر هذه الجماهير لخدمة أجندة وصولها فحسب، لكن المأساة العظمى تكمن في هذا الجمهور النائم، وفي هذه التبعية العمياء المتعصبة وفي هذا الإصرار على عدم الرؤيا والاستماع واستخدام الحواس الطبيعية لقياس الأمور، الكارثة في هذا الجمهور الذي مهما أضأت له النور بالأرقام، بالإحصائيات، بالوقائع، بشهادات الأحياء بالصور، بالصوت، أطفأه وفضل أن يقاد كالنعاج في الظلام على أن يرى النور ويصحو من غفوته.