قبل صدور الحكم على أمين عام الوفاق بيوم واحد، ويوم صدور الحكم، والأيام الثلاثة التالية له اجتهد حديثو العهد بالسياسة في استعراض ما يحتويه قاموس السب والشتم لديهم، فلم يبقوا كلمة مما احتواه ذلك القاموس إلا واستخدموها في المقابلات التي أجرتها الفضائيات السوسة وعلى الخصوص فضائية «العالم» الإيرانية معهم بكرم حاتمي وبحرص لم يسبق له مثيل، ولتوضيح الصورة لمن يترفع عن مشاهدة تلك الفضائيات ويتخذ منها موقفاً يمكن القول إن «أذرب» كلمة استخدموها في تلك المقابلات هي كلمة «حماقة»، حيث وصفوا كل من له علاقة بالحكم بأنه أحمق، وكل عمل ذي علاقة به بالحماقة، من دون أن ينتبهوا إلى أن فعلهم هذا هو الحماقة بعينها.
الذين تحدثوا أو بالأحرى مارسوا السب والشتم بدوا كما الملدوغين، رغم أن مسألة الحكم على أمين عام الوفاق أو غيره ممن اختاروا امتهان السياسة أمر متوقع في كل حين، ولا ينبغي أن يحظى بردة الفعل هذه لأنها ردة فعل من لا علاقة له بالسياسة لا من بعيد ولا من قريب ولا يدرك ظروف العمل السياسي، فالسجن موئل طبيعي لمن اختار هذا الدرب أياً كانت أهدافه وأياً كانت نواياه، وأمين عام الوفاق ليس استثناء.
وكما أنه لا شماتة في الموت كذلك فإنه لا شماتة في صدور حكم بالسجن على أحد مهما اختلف معه، ودونما شك فإن الحكم بالسجن على أمين عام الوفاق يضيف إلى المشكلة تعقيداً، فهذه حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها، لكن لا يمكن لأحد أيضاً أن يتدخل في أحكام القضاء.
كمية السب والشتم التي كالها أولئك للسلطة ولكل الأجهزة ذات العلاقة عبرت عن قلة حيلة وقلة وعي بالعمل السياسي لكنها في كل الأحوال يمكن إدراجها في باب ردة الفعل العاطفية والتجاوز عنها لو أنها لم تستمر، لكن دونما شك يصعب إدراجها تحت هذا العنوان لو استمرت وتمادى أصحابها في هذا السلوك الذي يضر بأمين عام الوفاق وبالوفاق وبـ «القوى الوطنية الديمقراطية المعارضة».
هناك مرحلة أخرى من التقاضي ربما استفاد منها الموكلون بالدفاع عن الشيخ علي سلمان، وعلى افتراض أنهم لم يتمكنوا من الاستفادة من هذه المرحلة أو مرحلة التمييز فإن كل المبررات لمواصلة عملية التجاوز على الأخلاق والعادات والتقاليد والأعراف غير مقبولة، فهذا سلوك مرفوض اجتماعيا وينبغي أن يكون مرفوضا من قبل الجمعيات السياسية، والتي للأسف تورط ويتورط بعض الأساسيين فيها في مثل هذا السلوك.
كل سلوك آت من قبل الوفاق أو المحسوبين عليها أو المتعاطفين معها ومع أمينها العام بعد الأيام الثلاثة، هذه التي مرت على صدور الحكم، لا يمكن إدراجه في باب ردة الفعل - دون أن يفهم هذا على أنه تبرير لردات الفعل المبالغ فيها والتي صدرت عنهم في الأيام الثلاثة الأولى ـ، فالخطأ خطأ ولا يمكن تبريره - وينبغي استبداله بكثير من الهدوء الذي يعين على تبصر الطريق وإدراك الخطوة التالية.
بالتأكيد مثل هذا الكلام يصعب فهمه من قبل العامة الذين سيظلون إلى حين متأثرين بصدور الحكم ضد من يعتقدون أنه مقدس وفوق القانون، لكن الآخرين، وخصوصاً المعنيين في «القوى الوطنية الديمقراطية المعارضة»، يفهمون هذا الكلام جيداً وعليهم أن يكونوا مثالاً، فأحوال كهذه وظروف يحكمها القانون لا يمكن إخضاعها لهكذا سلوكيات وردود أفعال، بل لا يمكن السماح لمن لا يدرك مثل هذه الأمور التحكم فيها أو حتى التدخل فيها.
ما قيل من ألفاظ غير لائقة الأجدى غض الطرف عنه ونسيانه، وعلى من تورط فيه استبداله بالتفكر في ما يعود على العمل السياسي بالنفع والخير.