لا يتوقف حماية أمن الدولة عند ضبط خلية إرهابية أو ضبط متفجرات، بل هو الأمن الذي يجب أن يشمل أولاً مؤسساتها وشركاتها الوطنية الحيوية .. نعم إن الانقلابيين عندما يعلنون بداية الانقلاب، فأول ما يعتمدون عليه في إنجاح انقلابهم هي السيطرة على مؤسسات الدولة وشركاتها، وهاهو الانقلاب الحوثي باليمن بدأ بعد سيطرته على مؤسسات الدولة، وعلى سبيل هذا السيطرة والتغلغل، فقد تمكن الحوثيون بعد سيطرتهم على وزارة الاتصالات من قطع الاتصالات الدولية عن اليمن، كما قطعت الاتصالات في بعض المحافظات، وذلك حسب ما تقتضيه عملياتها العسكرية فيها. كما تمت سيطرتهم قبل الإطاحة بصنعاء على وزارة الصحة والتربية وكان عن طريق تشكيل لجان بدعوى محاربة الفساد، وذلك بغرض معرفة القوة الفعلية للموظفين واستبدالهم بالموالين لها بذرائع البطالة.
إن وجود الدولة في هذه المؤسسات يعني بقاء الدولة وسيادتها، وإذا كان يظن البعض عدم أهمية هذه المؤسسة أو تلك، فإنه ظن خاطئ، وخاصة أن مؤسسات الدولة مثل الاتصالات والمواصلات والأشغال والإسكان والتربية والصحة هي من مقومات الدولة الأساسية، وهي التي يقوم عليها نظامها، وأن فقد الدولة سيطرتها على هذه المؤسسات ووقوعها تحت سيطرة الانقلابيين، لهو إشارة لدنو أجلها، مهما بلغت قوتها العسكرية وحصانة أمنها الداخلي، لأن خروج هذه المؤسسات عن السيطرة هو تعطل الحياة والشلل الكامل الذي يجعل الدولة غير قادرة على تحريك حتى مركبة أمنية خارج كراجها، ويأتي بعدها قطع اتصالات وتعطيل مواصلات، وقطع كهرباء على بعض المناطق المراد اجتياحها من قبل المليشيات من خلال تحكم المهندسين الموالين للانقلابيين بمفاتيح التحكم، وإغلاق الشوارع بتعطيل نظام الإشارات الضوئية فيها، واستخدام الحواجز الإسمنتية التي تحركها الرافعات التي يملكها الانقلابيون، وفيضان المجاري، والسيطرة على المطارات والطائرات، خاصة إذا كان الطيارون والموظفون في المطارات من الموالين لهم، وهو بالضبط ما حصل في اليمن عندما تنازلت الدولة عن بعض مؤسساتها كنوع من المحاصصة والاسترضاء، إلى أن استقوت شبكة الحوثيين وتمدد نفوذهم إلى باقي مؤسسات الدولة، وهذا أمر طبيعي حين يتبوء أتباعهم مناصب عليا في مواقع حساسة، في ظل وجود مسؤولين في المؤسسات وأن كانوا من غير الموالين لهم إلا أنهم يرضخون للابتزاز حفاظاً على وظائفهم، وذلك حين يرون الدولة قد دخلت معهم في شراكة وهدنة، وأذعنت لمطالبهم.
إن الخطر الذي داهم اليمن، هو خطر قد يداهم أي دولة، وذلك بعدما تشكلت الخلايا الإيرانية بأسماء متعددة، مثل الحوثيين في اليمن، والوفاق في البحرين، وغيرها من الخلايا التي لم تعلن عن انقلابها في بعض الدول الخليجية والتي هي على أتم الجاهزية والاستعداد، هذه الدول الخليجية التي مكنت الموالين لإيران من مؤسساتها السيادية والخدمية، كما مكنتهم من اقتصادها، فقد شاهدنا في السنوات الأخيرة القطاعات الاقتصادية من بنوك ومؤسسات تغيرت وجوه موظفيها، وخاصة في البنوك الوطنية، ومراكز الاستثمار، والهيئات الاقتصادية، إذ إن غياب الهوية الأصيلة للبحرين في هذه المؤسسات لهي خطوة أساسية تعتمد عليها المخططات الخارجية التي تستهدف أمن البحرين، وذلك عندما تقع قبضة هذه المؤسسات في يد فئة معينة، تمتد اتصالاتها إلى الخارج لتنفذ التعليمات الصادرة من الدول المعادية للدولة من ضرب اقتصاد، وغيرها من عمليات محتملة تؤثر في عجز الدولة عن إعالة مواطنيها حين تصفر مؤسساتها الاقتصادية في عمليات تجارية خاسرة، أما بالنسبة للآثار السلبية المحلية وهو التعامل المباشر مع المواطنين، الذي يضطر المواطن إلى التعامل معها فيرضى بالواقع الذي أصبح لا يقدر أن يغير منه شيئاً، بعد أن أقصت هذه المؤسسات الخدمية والاقتصادية وجوده، ومنعت حصوله على فرصة عمل، وخاصة عندما نقارن عشر سنوات مضت، حين كانت الفرص تتاح لكافة المواطنين، إلى أن جاء من الرؤوساء والمدراء من ترك هذه المؤسسات ولم يحسب للوضع الأمني المستقبلي، أو كان الرئيس والمدير من عملاء إيران، وخير مثال على الأخطار التي قد تنشأ في إقصاء الوجود الوطني في هذه المؤسسات، هو ما حدث أثناء المؤامرة الانقلابية في المؤسسات التي كانت تحت السيطرة الكاملة للانقلابيين، ومنها على سبيل المثال وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم ، والوزارات الخدمية التي سربت من بعضها أسماء وعناوين الضباط، والمواصلات والاتصالات والبنوك التي كذلك سربت من بعضها المعلومات والأسماء لزبائنها، ووزارة العمل التي شارك مسؤولوها في التحريض على الدولة ووقوفهم مع الانقلابيين، وشركة بابكو وطيران الخليج، هذه عملية التمكين والسيطرة نفسها اعتمدها الحوثيون لإنجاح مخططاتهم بالاستيلاء على صنعاء ومؤسساتها بالرغم أن نسبة الحوثيين من الشعب اليمني لا يزيد عن 1%، ألا أنهم استطاعوا تغطية هذا النقص بالتغلغل في مؤسسات الدولة، التي تعد أخطر وأسرع الأسلحة التي تطيح بالدولة، وتأثيرها أبلغ عشرات المرات من عبوات ومتفجرات.