أُعلنت نتائج الشهادة الثانوية وفرح الخريجون مع ذويهم، وأقيمت احتفالات التخرج لتبدأ رحلة ما بعد التعليم النظامي. نسبة النجاح في الشهادة الثانوية لهذا العام بلغت 97%، وعدد المتفوقين يتجاوز «600» طالب وطالبة. وهو عدد كبير يشير إلى ارتفاع معدل الذكاء بين الطلبة البحرينيين من خريجي الشهادة الثانوية وامتلاكهم مهارات نوعية تستحق الاهتمام والاستثمار. والسؤال الذي تثيره أعداد المتفوقين المتزايدة سنوياً في البحرين وفي الوطن العربي عامة، هو أين يذهب هؤلاء المتفوقون بعد تخرجهم؟ وكيف تستفيد الدول من إمكاناتهم النوعية؟
بعيداً عن حسابات مدى دقة أن يكون كل هؤلاء المتفوقين مبدعين ومميزين، وبعيداً عن مناقشة أساليب التقويم والأنظمة التربوية. فلو افترضنا أن مائة طالب سنوياً من الحاصلين على تقدير امتياز هو مبدع بالمقاسات والمعايير العلمية فيفترض خلال عشرين عاماً، على الأقل، أن لدينا في سوق العمل «ألفي» عامل بحريني شاب مبدع في مختلف المجالات الطبية والتعليمية والهندسية والمصرفية. وأنهم يبدعون في أعمالهم ويقدمون ابتكارات واختراعات فذة ويدخلون في منافسات عربية ودولية في مجالات جودة الإنتاج والأبحاث العلمية وتقديم الاختراعات. فهل يحدث هذا فعلاً؟ هل خريجو مدارس البحرين المتفوقون الذين قضوا اثنتي عشرة سنة مجندين للحصول على تقدير امتياز هم أنفسهم في قطاعات العمل يجندون أنفسهم للحفاظ على نسبة الامتياز نفسها؟ أم أنهم قد تحولوا إلى موظفين روتينيين يتباهون بمجد الشهادة الثانوية ويتلقون التوجيهات الوظيفية وينفذون اللوائح والأنظمة حسب الإطار المطلوب فحسب؟ وإذا كانوا يبدعون في صمت وينجزون في هدوء لماذا تتجاهلهم وسائل الإعلام ويتجاهلهم التحفيز والتكريم؟
موضوع المتفوقين والمبدعين موضوع اهتمت به الدول الغربية التي وضعت خططاً استراتيجية متسلسلة ومتدرجة لبناء نهضتها والمحافظة على مستوى استقرارها وتطوير اقتصادياتها. فبعض الدول كانت تمتحن الطلبة وتنتقي المتفوقين منهم لتضعهم في مدارس خاصة وتقدم لهم تعليماً نوعياً وفق تخطيط دقيق لتأهيلهم لوظائف خاصة في الدولة في مختلف قطاعاتها. هذا النوع من الاستثمار في البشر وفي المعرفة يعد أدق أنواع الاستثمار وأبعده مدى لأن البشر هم المورد الذي لا ينضب وهم القادرون على خلق موارد اقتصادية جديدة والاستفادة منها. وتأمين الاستثمار في البشر هو شكل من أشكال الحفاظ على الأمن القومي؛ فإما أن تحول الحكومات شعوبها إلى طاقة بناءة أو أن تهملهم فيتحولوا إلى طاقة مدمرة تهدم ما عمره أسلافهم.
الاستثمار في الطلبة المتفوقين والمبدعين وأصحاب المواهب ليس وظيفة وزارة التربية والتعليم وحدها، فهي معنية بها إلى مرحلة محددة ثم يتعين أن يناط بالمهمة لجهات أخرى لها خططها وبرامجها المؤهلة والمستثمرة لهم. وهي دورة متكاملة من العمل ترتبط بمجالات شتى في شؤون الدولة والمواطنين.
نأمل أن نرى يوماً وزارة خاصة «كوزارة التخطيط» أو أي جهة معينة تهتم بشأن الثروة البشرية البحرينية. ونأمل أن نرى متفوقي البحرين ومبدعيها يتابعون تفوقهم وإبداعهم من الدراسة إلى مجالات العمل المختلفة.