في خضم التطورات الإقليمية الخطيرة التي تشهدها المنطقة، يجب على الدول الخليجية العربية إعادة النظر في علاقاتها الدولية بشكل عام، وإعادة النظر في سياساتها البينية / الخليجية بشكل خاص، وهذا بطبيعة الحال يتطلب من الدول الست إعادة صياغة مشروعها القديم، ألا وهو «مجلس التعاون الخليجي».
حين تم تأسيس المجلس «في الـ 25 مايو 1981 توصل قادة كل من الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودولة قطر ودولة الكويت في اجتماع عقد في أبوظبي إلى صيغة تعاونية تضم الدول الست، والتي تهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها، وفق ما نص عليه النظام الأساسي للمجلس في مادته الرابعة، التي أكدت أيضاً على تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين مواطني دول المجلس. وجاءت المنطلقات واضحة في ديباجة النظام الأساسي التي شددت على ما يربط بين الدول الست من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، وإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف، وأن التعاون فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية».
اليوم وبعد مرور أكثر من 34 عاماً على تأسيس مجلس التعاون الخليجي، من المهم أن تعاد من جديد كل الأهداف والاستراتيجيات التي تشكل تحدياً حقيقياً للمجلس، فلا يمكن أن تكون كل التطلعات التي كانت مقصداً رئيساً قبل أكثر من ثلاثة عقود، هي ذاتها التطلعات التي يجب أن تتحقق على الأرض في هذه الأيام، فالتحديات والأصدقاء والأعداء والمنطلقات والتغيرات الإقليمية والدولية كلها تبدلت منذ وقت التأسيس وحتى يومنا هذا، وعليه لا يجوز أن تظل مرتكزات وأهداف مجلس التعاون الخليجي جامدة وغير متحركة في ظل الظروف المتغيرة والراهنة.
ليس هذا فحسب، بل هنالك تراجع واضح في تحقيق الأهداف، فبالأمس البعيد، كان أهم تطلعات الحكومات الخليجية وشعوبها، هو الحصول على جواز سفر موحَّد، وكذلك الاشتراك في عملة موحدة، وتسهيلات أخرى يمكن أن تيسر حركة التجارة وتنشط قوة الاقتصاد، للوصول في نهاية المطاف إلى اتحاد خليجي له اعتباراته الإقليمية والدولية. هذا بالأمس، أما اليوم، فإن حركة أهداف المجلس بدأت تتراجع القهقرى، فأصبح لتراجعها مجموعة من الارتدادات الخطيرة ربما تعصف بآمال المجلس لو لم يتم تدارك ذلك.
قبل أكثر من ثلاثة عقود، كان الحلم الخليجي بإصدار جواز سفر موحد، أما اليوم، فإن أكثر طموح ينشده المواطن الخليجي، هو حل الكثير من الخلافات العالقة بين بعض دول أعضاء مجلس التعاون الخليجي، وهذا يعطينا مجموعة من الرسائل التي يجب قراءتها بطريقة مختلفة وجادة، قبل أن يفقد المجلس بريقه، أو يخسر أقل أسقف طموحاته للمستقبل.
أين كنا وكيف أصبحنا، فالتطلعات القوية تبخرت، وصرنا نتحدث عن «وساطات» تحل خلافاتنا، فهذا التراجع يجب أن يحفز دول المجلس لإعادة النظر في تشريعاته وأهدافه التي تتعلق بقراراته السياسية والاقتصادية والعسكرية والرياضية وحتى الثقافية.
اليوم تحتاج دول المجلس لمراجعة شاملة لتجربة ثلاثة عقود ونصف من التحديات والإخفاقات والقليل من النجاحات، أما البقاء والإبقاء على كتيبات إرشادية قديمة تشرح بديباجات باردة أهداف المجلس التي لم يتحقق منها الشيء الكثير، فإنه بات أمراً غير مقبول في مرحلة من أشد المراحل المشحونة بالتحديات المعقدة في عصر التكتلات القوية، ولهذا نكرر ونقول، نحن في زمن نكون فيه أو لا نكون.