لنضع قضية أن الكذب بكافة أشكاله وألوانه حرام جانباً، أقول لنفترض، على أساس أن الكذب هو «كذب» لا خلاف ولا جدال عليه، بغض النظر عن الزمان والمكان، فهو يظل كذباً محرماً قائماً على تضليل الناس وتغييب الحقائق.
فقط لنمسك هنا قضية الكذب في شهر رمضان، وتحديداً لدى شرائح مؤثرة في حراك البلد، تنسى بأن الكذب أصلاً حرام، وأن الكذب في رمضان تحديداً أشد حرمة.
هنا لا أتحدث عن ممارسات تدور بين البشر في إطار معاملاتهم العادية، سواء في الأعمال والعلاقات اليومية، بل أتحدث عن ممارسات على مستويات أعلى وأكبر، ومخرجات تقدم للناس بصورة أشمل، ما يجعل تقديم المعلومات المضللة والخاطئة للناس «ممارسة الكذب» بشكل عام وفاضح.
أتحدث هنا عن كثير من التصريحات الرسمية والوعود والردود التي تصدر من بعض المسؤولين وتتصدر الصحف، وتنتشر كالنار في وسائل الإعلام والتواصل، كلها تتحدث عن مشاريع ورؤى محنكة وخطط استراتيجية، ووعود للناس، وحل للمشكلات، واستشراف للمستقبل. ونحن ومعنا الناس في هذا البلد الطيب، ومن واقع خبرة طويلة، نعرف تماماً بأن أغلب هذا النوع من التصريحات والأخبار تدخل في إطار «الاستهلاك الإعلامي» ليس إلا.
شخصياً، بت حائراً في فهم العلاقة التي تربط كثيراً من مسؤولي الدولة بالإعلام، بت حائراً في تفكيك وتحليل هذا «الشغف» الرسمي بالإعلام، وكأن المسؤول مكتوب عليه بل واجب عليه أن يكون له تصريح يومي في الصحافة، أو دوري، أو لقطاعه صفحات وصفحات، وأن تكون الصورة حاضرة وبأكشخ «بشت» وبأنصع صورة.
طبعاً لست حائراً بشأن فهم هدف بعضهم والذي ينحصر في استعراض الإنجازات في الصحافة والإعلام، وهي على أرض الواقع لا يمكن أن تسمى إنجازات، لكنني حائر بشأن هذه القدرة الكبيرة على تضليل الناس، وعلى قلب الحقائق، وعلى تقديم أمور هي «أحلام» و«أفكار» على أساس أنها موجودة وتم تطبيقها والناس تمدح فيها.
الحيرة في شأن هذه القدرة على ممارسة التضليل أو بصريح العبارة «الكذب»، والأدهى «الكذب الموثق» في وسائل النشر والإعلام، والذي بتتبع مضامين هذه التصريحات والوعود، يمكن إلزام المسؤول أو الوزير بتقديم إثباتات لكل ما يقوله، ولكل ما يصرح به، والتأكد من أنه يقول الحقيقة أم أنه يسعى لتخدير الناس، أو أنه يمارس «النصب والاحتيال» بشأن الواجبات والمنجزات باستخدام الإعلام.
فقط، هي نصيحة وطلب، الأولى لبعض هؤلاء الذين مللنا من صورهم وتصريحاتهم المتكررة في الصحافة ووسائل الإعلام بشكل يومي بأن يدركوا أن كثرة الظهور ليست إنجازاً، وأن كثرة الكلام ليست عملاً، وأن كثرة الوعود ليست استيفاء لها، بل على العكس من كثر كلامه قل عمله، وفي شأن بعض مسؤولينا تجد كل واحد منهم يقول «عندي الزود» من بيع الكلام على الناس.
أما الطلب، فهو يتعلق بهذا الشهر الفضيل، أقلها احتراماً له، وتجنباً للسيئات والآثام، ولن أقول لأجل الناس، لأن بعض المسؤولين لا يهمه الناس «يعلهم الحرق»، بل سأقول لأجلكم، رجاء قللوا من هذه التصريحات ومن هذه الوعود ومن الأقوال التي تعلمون أنها تنشر لمجرد النشر ووضع الصور، في حين أن تحقيق مضامينها ضرب من الخيال. أقلها أكرمونا بتقليل نسبة الوعود الكاذبة، وأكرمونا بالاستفادة من المساحة الإعلامية في أمور أخرى مفيدة، سواء تثقيفية أو دينية أو توعوية، أقلها احتراماً لرمضان، وخجلاً من الله سبحانه الذي لا يحب الكاذبين.