شغل البعض نفسه في الأيام الثلاثة الماضية، ولا يزال، بالوثائق التي قيل إنها تخص وزارة الخارجية بالمملكة العربية السعودية وسربها موقع «ويكيليكس»، وبغض النظر عن مدى صحة أو عدم صحة تلك الوثائق فإنها في المجمل لا تسيء إلى الشقيقة الكبرى كون ما احتوته تحتويه آلاف الرسائل التي تصدر يومياً عن السفارات والوزارات في كل دول العالم.
من تلك الوثائق التي رقص عليها البعض هنا وثيقة قيل إنها تضمنت فكرة إنشاء فضائية تبث من البحرين وموجهة ضد إيران باللغتين الفارسية والإنجليزية. وإن دراسة جدوى حول هذا المشروع قد أنجزت وإن مسؤولين اقترحوا دعمها مالياً لتغطية تكاليف أول سنتين، وإنه اختير لها اسماً ذا علاقة بمنطقة الأهواز التي تحتلها إيران منذ نحو قرن وإن الهدف من إنشائها هو «مواجهة السياسات الإعلامية العدائية والأخبار المغلوطة التي تقوم بها إيران عبر قنواتها الفضائية العديدة ضد مجلس التعاون الخليجي».
في كل الأحوال ليس هذا هو المثير؛ فموضوع مثل هذا كان يمكن أن يتم تبادل الرسائل بشأنه على الهواء مباشرة لأنه مطلب شعبي ولا يدخل في باب الأسرار. المثير هو أنه لم يتم إنشاء هذه الفضائية رغم أهميتها ورغم الإيمان بالحاجة الماسة إليها، فإنشاء فضائية تقوم بهذا الدور المشار إليه مسألة مهمة في هذه المرحلة التي تواجه فيها دول التعاون هجمة إعلامية شرسة من قبل بعض الدول والجهات، وعلى رأسها إيران التي خصصت العديد من الفضائيات للإساءة إلى دول التعاون وعلى الخصوص البحرين والسعودية.
ليس معلوماً لماذا لم يرَ هذا المشروع المهم النور، خصوصاً أن الحاجة إليه لم تنتف بعد، فلا تزال إيران تخصص بعض فضائياتها للإساءة إلى مجلس التعاون والعديد من دوله، ولا تزال تنتج برامج يومية باللغة العربية لمهاجمة البحرين بشكل خاص، تستضيف فيها عناصر من «المعارضة» تسهل لها أمر سب وشتم وطنهم.
مثل هذا المشروع ينبغي من كل غيور على دول مجلس التعاون أن يعين على ترجمته إلى واقع، ليس لسب وشتم إيران ومن يعينها على فعلها غير الحضاري، فهذا ليس من أخلاقنا ويرفضه قادتنا، ولكن لتوضيح الحقائق للشعب الإيراني والمتحدثين باللغة الفارسية وللعالم أجمع عبر العديد من اللغات، وليس الفارسية والإنكليزية فقط. فكثير من المعلومات التي توردها الفضائيات الإيرانية وتلك التابعة لها في لبنان والعراق وبريطانيا وغيرها تنقصها الصحة والدقة، وكثير منها يدخل في باب التلفيق؛ فهي تعتمد على مصادر معينة مهمتها الإساءة إلى البحرين والسعودية ودول المجلس كافة.
استمرار وصول المعلومات للجمهور المتلقي في إيران والغرب بشكل خاص من طرف واحد يجعله يعتقد أن كل ما يصله صحيح ودقيق وواقع، خصوصاً أن الرد على تلك المعلومات والأخبار عبر إصدار بيانات النفي لا تأثير له في ذلك الجمهور وليس له أي قيمة. القيمة والتأثير يكونان بتوفير المعلومة الصحيحة والدقيقة في كل حين وباستخدام نفس الأدوات ومن دون إبطاء.
من يتابع فضائية «العالم» الإيرانية، على سبيل المثال، ويشاهد بشكل خاص البرنامج اليومي «حديث البحرين» الذي تستضيف فيه كل من يرغب في الإساءة إلى مملكة البحرين وتبث عبره الأخبار المغلوطة والمليئة بالتطاول على القيادة، من يتابعها لا شك أنه يعتقد أن ما تبثه صحيح ودقيق، فلا يوجد في مقابلها فضائية توفر المعلومة الدقيقة والآتية من مصادر موثوق بها والتي يسهل التأكد من صحتها.
غياب مثل هذه الفضائية يعين إيران وكل من يريد الإساءة إلى دول مجلس التعاون الخليجي على قول ما يشاء وتحقيق أهدافه، لذا يبرز التساؤل عن سبب عدم إنشاء تلك الفضائية التي قيل إن رسائل تم تبادلها بشأن إنشائها.