المجتمع الذي تمر به مشاكل لا يقوى على حلها بنفسه ويسعى للخارج لحلها
هو مجتمع فيه خلل يجب إصلاحه
لا أحد يحب أن يقتحم أي شخص عليه داره، وأن يأخذ في تصدير الأوامر له، خاصة فيما يتعلق بكيفية ترتيبها وتنظيمها.
تخيل أنك تستضيف عدداً من الضيوف في دارك (بيتك)، ورغم كرم الضيافة، ووفرة الطعام وتنوعه، وراحة الجلوس، والتكفل بكل ما من شأنه تحقيق الراحة وضمان الارتياح لهم، إلا أنهم يبدأون التمعن في تفاصيل بيتك وبعد ذلك يبدأ «التنظير» عليك بشأن التغييرات التي «يجب» أن تقوم بها في بيتك. تخيل، لو حصل ذلك، ماذا ستكون ردة فعلك؟!
غالبية البشر لن تقبل هذا الشيء، خاصة وأن تصميم المنزل وطريقة تأثيثه وأسلوب الديكور فيه، وغيرها من تفاصيل، لم تتم إلا بناء على رغبة من بنى البيت ومن صرف عليه ومن عمره ومن وفر كل متطلبات الحياة فيه، بالتالي حينما يأتي ضيف زائر، سواء قصرت زيارته أوطالت ويأخذ في «الفلسفة» عليك في كيفية ترتيب بيتك أو بنائه أو تغيير ديكوره، فإنك لن تستسيغ ذلك، بل ربما تتولد لديك ردة فعل عنيفة.
خذوا عاملاً آخر في الاعتبار، ماذا لو كان هذا الضيف أجنبياً، أي لم يكن من أفراد العائلة أو صديقاً من القرية أو المدينة نفسها، أو لم يكن من نفس أهل البلد، أي إن كان أجنبياً من الخارج، ويأتي بدلاً من شكرك على كرم ضيافتك وعلى اهتمامك به، بدلاً من ذلك يأتي لينظر عليك ويتفلسف في شؤونك الخاصة. ماذا ستفعل؟!
هنا ندعوكم للصراحة مع أنفسكم أولاً، نحن نعيش وضعاً اليوم لا يقبل فيه الابن أن يأتي والداه ليزوراه وعائلته في بيته ويأخذان بسرد الاقتراحات وطرح الأفكار. هذه حقيقة ولا تنكروها. وأشك في وجود أشخاص يمتعضون حتى من ملاحظات والديهم الذين يعود لهم الفضل في تربيتهم وتنشئتهم، إذ أسرع جملة تقال «شدخلهم، بيتي وعائلتي وطريقة حياتي وأنا حر فيها، ولا أريد لأحد أن يتدخل فيها».
هذا هو الواقع شئنا أم أبينا، أغلب الناس لا يريد أحداً أن يتدخل في حياته وأموره الخاصة وأن يأتي إليه شخص ما لينصب نفسه وكأنه «مدرب» خاص في الحياة، أو «مستشار» في إدارته لشؤونه المعيشية. حتى النصيحة التي كانت ديدن أهل البحرين في الزمن الجميل، وسيلة تواصل وحوار بين الجار وجاره والصديق وصديقه، هذه النصيحة باتت مرفوضة ويمتعض منها الكثيرون، لا أحد يريد النصح، خاصة النصح الذي يقدم على أنه نصح، لكنه مغلف بالفوقية والفلسفة، والأخطر ذلك الذي يتم تصويره على أنه نصح حتمي أو إلزامي.
الغالبية تتفق على أن المزاج العام، وما جرت عليه العادة، وما نمضي فيه من تقاليد وعادات وتصرفات بشرية معاصرة لمتغيرات العالم، كلها تفرض هذا المنطق، أي بأن يأتي ضيف مهما كان وضعه وتصنيفه ليقول للناس وهو جالس وسط بيتهم، كيف يبنون بيتهم وكيف يعدلون فيه وكيف يطورونه بنبرة انتقادية أو ساخرة.
بالتالي، حينما تأتي جهات خارجية، سواء عبر ضيوفها الزائرين للبحرين، أو سفرائها المقيمين لدينا كضيوف أيضا، حينما يأتون لهذه البلد ويمنحون نفسهم حق التدخل في شؤونها والفلسفة في أمورها، بل ويتجرأون في مخاطبة مسؤولي البلد وقيادتها بأسلوب «ينبغي» و«يفترض» و«يجب»، نقول حينما يحصل مثل هذا الوضع «المعوج»، هنا يجب على الدولة أن تذكرهم وبأسلوب العرب الأصيل، بأسلوب «السنع»، بأنك يا «غريب كن أديب»!
أما بخصوص من يفترض بأنهم أهل للدار ويقبلون بأن «يدللوا» على دورهم وبلدانهم ليدخلها الأجنبي ويفعل فيها ما يفعل، وينظر عليهم بما ينظر، ويتفلسف، ويقرر وهم ينفذون، فهؤلاء أصلاً هم من باعوا «ديارهم» للأجنبي، وقبلوا بأن يتحولوا من «أسياد» و«أصحاب مكان» إلى «أتباع» و«بائعو أوطان»، وهم السبب الرئيس الذي يدفع بالغريب لئلا يكون أديباً، ويظن بأن من حقه التدخل في شؤون الآخرين وفي بيوتهم بلا خجل أو استحياء.
- اتجاه معاكس..
من جملة الدروس الإدارية الصادرة عن حكيم البحرين صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء حفظه الله وأطال في عمره، ما قاله بالأمس في مجلسه، بأن صلاح أحوال البلدان والشعوب لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون من الخارج. أساس الإصلاح والتصحيح من الداخل، ومن الإرادة البشرية لأبناء الوطن، وعبر التكاتف والتعاضد بين جميع أطيافه ومؤسساته وقيادته. المجتمع الذي تمر به مشاكل لا يقوى على حلها بنفسه ويسعى للخارج لحلها، هو مجتمع فيه خلل يجب إصلاحه، مجتمع لا يعالج أوجه قصوره، بقدر ما يرى سهولة الاستعانة بالخارج ليقوم بالعمل الذي يفترض أن يقوم به الفرد لنفسه، والنتيجة تكون بحل وضع معين وخلق أوضاع أخرى، من خلالها تدخل أمور وتتشعب، تزرع مشاكل ويتم التأثير على عقليات وغيرها من مسائل تضر البلد ولا تخدم.
البلد الذي يقبل بأن يفتح بابه للخارج يحل مشاكله بدلا من أن يحلها بنفسه، بلد يعرض نفسه لكثير من الأمور، خاصة وأن الأجنبي مهما ابتسم لنا وضحك، يظل وضعه مثل «الليث» الذي إن رأيت أنيابه بارزة، فلا تظنن بأنه يبتسم.