أثارت الحلقات الأولى من المسلسل الخليجي»سيلفي» للفنان القدير ناصر القصبي مجموعة من ردود الأفعال المختلفة حول فكرة الحلقات وطريقة عرضها وطبيعة معالجتها، فبين مؤيد للمسلسل ومعارض له، هنالك الكثير من الآراء يمكن استخلاصها كعبر ودروس، بغض النظر عن كميات التأييد والمعارضة للمسلسل وصاحبه ومخرجه.
بداية لا يمكن أن نشكك في نوايا الممثل الوطني القدير الأستاذ ناصر القصبي في إخلاصه لقضايا وطنه وعروبته، كما لا يمكن لأي مواطن سعودي أو خليجي المزايدة على وطنية هذا الفنان الذي حمل الفن على عاتقه كرسالة إنسانية نبيلة وسامية، فمسيرة القصبي في الفن تعتبر من أكثر المسيرات الفنية عطاء ومعالجة للكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية في الخليج العربي، مقارنة ببقية الفنانين الخليجيين.
الحلقات الأولى من مسلسل «سيلفي» ولإزاحة كل الشبهات، حاول القصبي لفت أنظار المجتمعات والحكومات الخليجية عن طريق «الصدمة» إلى الانتباه لخطر المجموعات الإرهابية في الخليج العربي، وكيف أن المحرضين على الموت والعنف يمارسون الدجل والخداع باسم الدين، كما لفت الأنظار إلى أهمية نشر الوعي بين أبنائنا وأسرنا الخليجية حول ظاهرة اختطاف الصغار من داخل المدرسة والأسرة والزج بهم في مشاريع دموية لا تعود على الأوطان بأية فائدة تذكر سوى المزيد من الويلات والخسائر وفقدان الشباب الذي يجب أن يكون في طليعة المجتمع الناهض.
إن محاربة المسلسل وشن الحرب القاسية على الفن والفنانين لا يمكن أن يلغي فكرة التطرف من واقعنا، كما لا يمكن أن يعطي ذلك الفعل صكوك البراءة للمحرضين على تحريك الإرهاب في الداخل والخارج، فالحرب التي شنها بعض المحسوبين من التيارات الدينية المتشددة على الفكرة لم تأت بنتيجة تذكر ولم تمحو الصورة القاتمة عن الإسلام السياسي، بل أعطت الحرب المضادة على الفنان القصبي وحلقاته حول الإرهاب دليلاً آخر أن كل ما تناوله كان مطابقاً للواقع.
القصبي لم يخترع موضوع الحلقات وفكرتها من مخيلته، ولم يتناول ما لم يكن موجوداً على أرض الواقع، بل كل الذي فعله أن جاء بمرآة كبيرة ووضعها أمام الأسرة الخليجية والدول الخليجية والمجتمع الخليجي وكل من له يد في تمدد الإرهاب في أوطاننا وخارجها من أجل أن يشاهدوا أنفسهم بتجرد تام، دون مجاملة أو وضع مساحيق مغشوشة تجمل واقعنا المرير.
جرعات الصراحة والواقعية التي تناولها القصبي كانت أكبر من أن يتحملها بعض المقتاتين على جراح الناس والمجتمع، ولهذا فإنهم أعلنوها حرباً شعواء ضد الفن والفنانين، فحاولوا -كعادتهم- أن يستندوا في تسقيط الرجل إلى المساجد والمنابر والفتاوى الدينية وإلى حملات إعلامية ظالمة من طرف مؤيديهم للنيل من الموقف الوطني للفنان القصبي، لكنهم ما دروا أن بحربهم تلك أعطوا للمسلسل وللمخرج ولكل الممثلين أكبر شرعية شعبية، بل أكدوا عبر ردود أفعالهم الانفعالية أن ما تناوله القصبي لم يكن سوى الواقع الذي حاولوا مراراً وتكراراً نفيه أو شطبه من الواقع، فكانت المعالجة الدرامية للتطرف أقوى من التطرف نفسه، ولهذا انتصر الفن على السيف، فكانت كلمته أقوى من صراخهم، ونحن لا نلوم من يكون صراخه بحجم ألمه.
في نهاية المطاف، نحن لسنا معنيين بالدرجة الأولى في الدفاع عن الفنان ناصر القصبي، لكننا معنيون بالدرجة الأولى بالدفاع عن الشباب الخليجي وإعادته إلى سكته الطبيعية والوقوف بجانب كل فن نبيل يؤدي رسالته الإنسانية والوطنية على قَدرِ المسؤولية الملقاة على عاتقه، خصوصاً في خليجنا العربي المستهدف.