بعض السطور التي ستقرؤها اليوم سبق أن نشرتها في السادس من أبريل المنصرم في مقال «المملكة العربية (النووية)» واليوم أعيد نشر مقتطفات منها مع ملاحظة أنني مازلت متمسكاً برأيي؛ بأن دول الخليج العربي، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، مطالبون بعد «عاصفة الحزم» بدينامية جديدة في التعامل والتفكير في مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.
كتبت قائلاً: «السعودية سبق وأعلنت في 2011 عن خطط لإنشاء ستة عشر مفاعلاً للطاقة النووية على مدى العشرين عاماً المقبلة بكلفة تبلغ أكثر من 80 مليار دولار، أي أن السعودية تملك قاعدة نووية تفوق بمرات ما هو موجود لدى إيران، والمفاجأة الأكبر هي أن السعوديين، بموجب التزاماتهم وفقاً لـ (بروتوكول الكميات الصغيرة)، يستطيعون إدخال المادة النووية خلال 180 يوماً، ولا يتوجب عليهم إخبار الوكالة الدولية للطاقة الذرية بذلك في حينها، كما لا يتعين عليهم الكشف عن البحث والتطوير والاختبار الميكانيكي لأجهزة الطرد المركزي والاختبار باستخدام مواد بديلة، ومن ثم يمكن للمملكة العربية السعودية أن تفجر مفاجأة من العيار الثقيل، وتفاجئ العالم في أية لحظة بامتلاكها السلاح النووي، والنظريات السياسية والاقتصادية تقول في هذه الحالة، لا عقوبات يمكن أن تنفع أو تؤثر في السعودية المتحكم الأول في إنتاج وأسعار النفط، بجانب امتلاكها احتياطيات نقدية تقترب من الـ 800 مليار دولار، واقتصاد قوي قادر على إيقاف اقتصاديات العالم وشل حركته».
بأسرع مما توقعنا تحقق ما قلناه وحسمت السعودية أمرها، فقد اتضح من الزيارة الرسمية التي قام بها ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا، أن السعودية قررت دخول النادي النووي ببناء 16 مفاعلاً نووياً، ومنحت روسيا الدور الأكبر في تشغيلها!!
من قوانين الطبيعة «الضغط يولد الانفجار» و»لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القدر ومضاد له في الاتجاه»، ومن الأمثلة الشعبية «اتق شر الحليم إذا غضب»؛ وجميعها عناوين رسائل لإدارة باراك أوباما، يجب أن تعيها، وتستوعبها، وتفهمها جيداً، مفادها؛ لقد طفح بنا الكيل من نفاقكم وتواطؤكم المكشوف «عياناً بياناً» مع الأطماع الإيرانية ضد دول الخليج العربي، وأذرعها العميلة في البحرين، وميليشيات الحوثي في اليمن، والحشد الشعبي في العراق.
لا أظن أن أحداً يمكن أن «يتفلسف» ويقول إن زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا ومن ثم فرنسا، ليست ردة فعل على مسلسل الاستفزاز الأمريكي المستمر لدول الخليج، والسبب واضح، فالمملكة السعودية ومن ثم دول الخليج العربي الذين ساندوا واشنطن حين قاطعت إيران منذ قيام ما يسمي بـ «الثورة الإسلامية»، اكتشفوا في لحظة أن واشنطن طعنتهم في الظهر عندما قررت التفاهم مع «عمائم قم» حول الملف النووي دون أدنى تفاهم مع شركائها في المنطقة، وكما يقول علماء العلوم السياسية؛ لا يوجد في السياسة عداوات ولا تحالفات ولا صداقات دائمة ولكن مصالح متبادلة، لا تحكمها الأيديولوجية بقدر ما تحكمها واقعية تلمس المصالح ومحاولة خدمتها بأكبر عائد ممكن.
لا أعتقد أيضاً أن أحداً يمكن التشكيك في أن التحول السياسي السعودي والخروج على الخط التقليدي المتبع، ليس سوى بداية تلقين الرياض، الدرس الثاني لواشنطن بعد درس «عاصفة الحزم»، ففي الوقت الذي شرعت فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بمقاطعة روسيا اقتصادياً عقوبة لها على أحداث أوكرانيا، قررت السعودية وعلى غير العادة، السير عكس اتجاه ريح واشنطن وفتح علاقاتها مع موسكو.
هناك معلومة إضافية «صغيرة» من المهم أن تصل أيضاً لإدارة أوباما من جملة بريد الرسائل؛ عنوانها «البحرين وباقي دول الخليج في الطريق إلى روسيا» وما الاتفاقات التي أبرمت خلال زيارة نائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة على هامش انعقاد مؤتمر سانت بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، وتشمل توقيع اتفاقات وصفقات في مجالات حيوية مثل الغاز والتقنية العسكرية ومجالات التصنيع والطيران والسفن والمعدات الطبية والأدوية، إلا بداية والقادم أعظم.