كنت ومازلت وسأظل أقول بأن هناك كثيرين يشوهون صورة الدين، وهم للأسف محسوبون عليه.
لا يكفي أبداً أن تطلق لحيتك أو تقصر ثوبك، أو أن تظهر على ملامحك وشكلك الشخصي كل مظاهر التدين، في حين تكون ممارساتك وتعاملاتك مع البشر بمنأى بعيد جداً عما يدعو له الدين.
نقول للناس بأن الإسلام دين تسامح ومحبة ويدعو للوحدة ومكارم الأخلاق ويفضل الإنسان ويجعله في مصاف راقية متقدمة، ويرتقي بسلوكياته ومبادئه فيشكله في صورة جميلة، لكن في المقابل نقوم «ونحن من يروج لكل ما سبق» بمناقضة كل ذلك بسهولة وبساطة.
هناك نظرة سلبية سائدة في المجتمعات العربية، وهي آخذة في الانتشار بشكل واضح، تنظر لرجال الدين «وللأسف التعميم الظالم يطال الجميع، حتى الحالات الخاصة الفريدة منهم» تنظر لهم نظرة سلبية، هناك من يكفهر وجه لمجرد رؤية رجل دين، وهناك من تجد لديه آليات دفاعية تبرز بشكل تلقائي حينما تلتقط أذنه أي كلام ديني، أو يحاول أي إنسان ملتزم دينياً الحديث معه والدخول في نقاش هادئ بشأن أي موضوع.
أدرك تماماً بأن هذه الحالة تنطبق على كثير من الأمور التي تتسبب تناقضاتها، والأصح التناقضات بين القول والفعل، تتسبب بنسف أي جسور للثقة، تتسبب بحرق أية مراكب تعبر بالشخص تجاه قبول ما يدعى له ويصله من علم أو حتى نصيحة.
فمثلاً تجد طبيباً يدعو الناس للممارسات الصحية ليعيشوا حياة بلا أمراض، وهو في نفس الوقت مدخن شره. وتجد محامياً يقول بأنه يدافع عن العدالة والحقوق فإذا به يترافع دفاعاً عن مجرم سجله الأسود معروف للناس، وحتى تجد إعلاميين بعضهم يدعو للفضائل والممارسات الأخلاقية ويتكلم بأسلوب «ما ينبغي» و»يجب» وغيرها من جمل التنظير، لكن في واقعه المعاش وتعاملاته يناقض ما قاله جملة وتفصيلاً.
أعلاه أمثلة من مهن وتخصصات وممارسات عديدة، والأمثلة توجد في غالبية الحالات والأمور، لكن بيت القصيد في ما نقول أن الكارثة الحقيقية تكمن حينما يوضع الدين في نفس هذه الخانة، ويتعرض للإساءة من الذين حري بهم الدفاع عنه وتقديمه في أفضل صوره.
هل ممارسات جماعات دينية متطرفة تضرب بأعراف الإنسانية عرض الحائط تجعل الإنسان العاقل السوي يصنفها على أنها جماعات تقدم الدين بشكله الصحيح؟! هل هي تتمثل بمضامينه وتعاليمه التي تنص على التسامح والتعامل الأخلاقي الإنساني حتى مع أصحاب الديانات الأخرى؟! هل اللغة المستخدمة هي التي طالب بها الدين، القائمة على الدعوة لله بالموعظة الحسنة، أم أن ما حل محلها هو استخدام التهديد والوعيد والتكفير والتمثل بدور المولى عز وجل، الذي هو من يقرر مصير البشر إما إلى النار أو الجنة؟!
والله لم يشوه صورة الدين إلا بعض من ظن أنه بالتشدد والترهيب والتكفير يمضي في دفاعه عن الدين. والله ليس هذا ديننا، وليست هذه أخلاقياتنا، وليست هذه سنة الرسول الكريم، الرجل الذي آذاه جاره اليهودي برمي القاذورات والأشواك في طريقه فلم يعنفه أو حتى يتقول عليه بكلمة، بل حينما مرض اليهودي افتقده الرسول وزاره ليعوده.
هذه الصورة المخجلة والمؤسفة التي تقدم الدين بشكل سلبي، تصوره على أنه وحش سينقض على البشر، وعلى المختلفين معه بأنه سيف سيقص رقابهم، هذه الصورة ومن يعمل على تعزيزها وترسيخها، هي التي تسيء أكبر إساءة للإسلام، هي التي تحط من قدر الدين، هي التي تجعل الناس تنفر من رجال الدين، وللأسف تدفع الناس للتعميم الذي يخلط الصالح بالطالح، هذه هي الممارسات المقيتة التي ديننا براء منها، لا هي منصوص عليها في القرآن الكريم ولا السنة النبوية.
وصلت بنا الحال ونحن مسلمون أن تقوم جماعات متطرفة بتهديد بقية المسلمين وللأسف الشديد، تهددهم باسم «الدين»!
بل وصلنا لمرحلة، حتى بعض ممن لا ينتمي للجماعات تلك، يمنح نفسه حق التسلط على البشر، والحكم عليهم والتحكم بهم، وحق تصدير الأوامر لهم، بل تفصيل حياتهم لهم، وذلك باسم «الدين»، وبتنصيب نفسه -دون وجه حق- ولياً لله في الأرض، آمراً ناهياً، معمداً أو مكفراً للناس على حسب ما يراه ويشتهي.
هؤلاء يعيبون على الغرب ممارساتهم العقائدية وأفعال بعض رجال الدين في الكنائس طوال الأزمان الغابرة، وبعض الممارسات المستمرة، يعيبون عليهم سطوة الكنيسة على البشر والتحكم بمصائرهم بأساليب تتنافى مع الروح السمحة التي جاءت بها الأديان السماوية، لكن في المقابل ماذا يفعلون هم أنفسهم، أليسوا هم يعيدون استنساخ كل ذلك باسم الدين؟!
الله فوقنا ويشهد علينا وفي رمضان الكريم، نحن براء من كل رجل دين متطرف متشدد متشنج أياً كان مذهبه، وأي فئات دينية متطرفة، نحن براء ممن يستخدمون الدين لإرهاب الناس، يهددون الناس بالدين، يكفرون من يريدون وقتما يريدون.