يأتي الخبر هكذا.. «شلل مروري بالشارع الرئيسي بعد التنفيذ المتقن لعملية (إباء الصائمين) بسواعد ثوارنا الأبطال»، وقبله يأتي الخبر «الشارع في قبضة ثوارنا». الخبر ينشر عبر مختلف وسائل التواصل وتبثه الفضائيات السوسة وعلى رأسها فضائية «العالم» الإيرانية في التو والحال، ويقرؤه ويسمعه كل المنتمين إلى الجمعيات السياسية التي تقول إنها ترفع شعار السلمية وتقف ضد أعمال العنف، وكذلك يفعل كل رجال الدين، ومع هذا لا أحد يسمع تعليقاً من واحد منهم أو نصيحة يوجهها إلى مرتكبي هذا العمل السيء يقول لهم إن هذا خطأ وإنه يناقض شعار «إباء الصائمين» الذي يرفعونه وينفذون باسمه هذه العمليات التي يتضرر منها عباد الله الذين يصومون شهر الله.
هل يوجد تناقض أكثر من هذا؟ وهل توجد طريقة للتعبير عن التخلف أكثر من هذه؟ وهل توجد سلبية يمارسها السياسيون والدينيون أكثر من هذه؟ أي ثورة هذه التي تؤذي السلطة عن طريق إيذاء الناس؟!
تصريحات عديدة أدلى بها الأمين العام السابق لجمعية «وعد» منذ أن أطلق سراحه، لكنه لم يتطرق أبداً إلى هذا الذي يمارسه «الأبطال» في الشوارع ويتسببون به في أذى الناس الذين تكلف بعضهم مشقة الحضور لتهنئته. وتصريحات عديدة أدلى بها نائب الأمين العام لجمعية الوفاق هذه الأيام، لكن لم يكن بينها تصريح واحد يدعو فيه أولئك «الأبطال» إلى التوقف عن ممارسة «بطولاتهم» التي لا تؤثر في السلطة. وتصريحات عديدة ينثرها «رجال الدين» الذين يرددون مقولة إن الحراك سلمي، لكنهم أبداً لا يصدر عنهم ما لا يوافق أولئك «الأبطال» على فعلهم القميء هذا، فكل الذي يقومون به يدخل في إطار السلمية حتى لو تضرر منه أقرب الناس إليهم.
قبل يومين رمى «أبطال الميادين» في الدراز سيارة شرطة بزجاجات المولوتوف فاحترقت وجرح بسبب ذلك بعض رجال الأمن، لكن أحداً من السياسيين أو الدينيين الذين أقحموا أنفسهم في السياسة أو غيرهم لم ينتقد هذا الفعل العنيف والمجرم ومر الخبر وكأن شيئاً لم يكن.
هذا التناقض الذي تعيشه «المعارضة» يضرها ولا ينفعها، ومن غير الممكن أن يقبل العالم ممن يرفع شعار السلمية عملاً عنيفاً كهذا الذي يتأذى منه الناس ليلاً ونهاراً، ومن غير الممكن أن يقتنع أحد بأن عملية تتخذ لها اسم «إباء الصائمين» لا يعني لها الصائمون شيئاً وتتسبب في أذاهم وتعطيل حياتهم.
في اليومين الماضيين توفر لدى أهل البحرين إحساس بأن في الجو أخباراً طيبة وأن الناس سيشهدون في الأيام القليلة المقبلة أموراً من شأنها أن تسهم في التهدئة، ومع هذا يأتي هؤلاء ليخربوا كل فرحة ولا يكتفون ولكن يربطون ما يقومون به بالصوم والصائمين، والإباء.
مؤلم أن يترك سياسيون «ذوو خبرة وتجربة نضالية» من لا علاقة له بالسياسة يدمر كل شيء وهم ينظرون، مؤلم أن يترك رجال دين يرون بأم أعينهم كيف أن هذا الفعل يتناقض مع الشعار المرفوع ولا ينبسون ببنت شفة وكأن الأمر لا يعنيهم، والأكثر إيلاماً أن كل هذا يتم في مثل هذه الأجواء التي عادت بعد غياب طويل فوفرت إحساساً جميلاً ملخصه أننا نقترب من الولوج إلى الباب الذي سيأخذنا إلى المخرج من هذا الذي صرنا فيه.
كل ما يقوم به أولئك خطأ وفيه تجن على الناس وعلى شهر الله، وسكوت الجمعيات السياسية ورجال الدين عنه خطأ أكبر وتجن على الناس وشهر الله، والاستمرار في هذين السلوكين تجن على الناس وشهر الله.
كان مضحكاً القرار الصادر عن «القوى الثورية» التوقف عن أذى الناس يوم الأول من رمضان احتراماً للشهر الكريم!