من أكبر المفارقات التي يشهدها العالم الإسلامي حول مسألة الإرهاب، هو تساوي المحرِّضين والمحرَّضين في العملية التحريضية ضد السلم الأهلي والأمن الاجتماعي، فكل منهم يكمل الآخر، ولن يستطيع طرف منهما الاستغناء عن الطرف الآخر، فكلاهما وجهان لعملة واحدة من الزيف والدجل والإرهاب.
مع تنامي مستوى الوعي لدى البشر، ومع ازدياد قنوات التواصل الاجتماعي وكل الوسائل الإلكترونية التي باتت توضح للجميع أوضح الواضحات، لا يمكن أن نتقبل وجود مغفلين في مجتمعاتنا الإسلامية التي بدأت تندمج مع العالم في بوتقة العولمة، والتي بفضلها صار البعيد قريب والمجهول معلوم، ولهذا فإن حجة «الجهل» ليست كافية حتى يمارس بعضهم إرهابه بالطريقة التي يراها مناسبة، أو يكون من المحرِّضين أو المحرَّضين.
على سبيل المثال؛ اليوم هنالك عشرات المحرِّضين على الإرهاب وتشويه الدين الحنيف من شيوخ الدين الذين يعتلون المنابر الدينية في كل العالم الإسلامي، في المقابل هنالك آلاف المحرِّضين كذلك من الجمهور الذين يشجعون ويحرِّضون شيوخ الدين على الطرح المتطرف، وبهذا تكتمل عملية التحريض، فالأول (الشيخ) يتبنى فكرة نشر الإرهاب والكراهية في المجتمع، والثاني (الجمهور) يصفق ويبارك للأول تحريضه الناس على الإرهاب والعنف.
في هذه الحالة لا يمكن أن نتهم شيوخ الدين المتطرفين وحدهم دون محاسبة جمهورهم، كما لا يمكن محاسبة الناس المنصاعين لأوامر شيوخ الدين دون محاكمة الشيوخ الذين يتفننون في حرف وعي الجمهور بإرادة الجمهور.
اليوم ليس هنالك من محرَّض، بل كل من يشارك أو يساهم في دفع عجلة الإرهاب، سواء بالكلمة أو التطبيل أو المباركة فهو محرِّض ويجب محاسبته ومراقبته وفق القانون، فنحن وصلنا إلى قناعة بأن عملية التحريض تعتبر مشتركة بين الخطيب والمتلقي، فلولا الأول لم يكن الثاني ولولا الثاني لم يوجد الأول، فكلاهما يدعمان العملية الإرهابية بالكلمة والقبول.
لو كان لدينا جمهور يتحمل مسؤولية النقد ويضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، لما قبل أن يسومه نحو المهالك خطيب تافه، ولو كان هنالك من خطيب يملك قراره الشجاع بمفرده حتى تخلى عنه جمهوره، لما رأينا خطباء الجوامع في عالمنا الإسلامي يدعون إلى الكراهية والعنف ومباركة الإرهاب تحت أنظار ومسمع الحاضرين.
نحن لسنا بمغفلين، بل نحن ندرك تمام الإدراك أن هنالك بعضاً من شيوخ الدين الذين لا يخافون الله، من الذين يهرولون خلف مصالحهم الشخصية والسياسية والحزبية فقط، ولا يخفى علينا أن هنالك بعض الجمهور كذلك يطبل للخطيب الذي يدعو الناس للإرهاب، مستغلاً في ذلك منبره الديني لتحقيق الفوضى ونشر الذعر والإرهاب في العالم الإسلامي باسم الدين. ولهذا الأمر المسؤول والحساس، فإننا ندعو هؤلاء الخطباء الكفّ عن تحريض الناس على الإرهاب والكراهية، كما ندعو الجمهور لتقويم سلوك هؤلاء الخطباء، لا التصفيق لهم عن دراية وعلم، حتى لا تتحول مساجدنا إلى مساجد كلها «ضرار».
- إضاءة..
قال الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إذا أصبت فأعينوني، وإذا أخطأت فقوموني».