لا نرى ولا نسمع ولا نشاهد مراجعات دورية لإنتاجية الشركات الوطنية الحيوية، والتي من المفترض أن تكون داعمة لاقتصاد الدولة، وحتى وإن كانت تدر أرباحاً أقل من المتوقعة، فكيف إذاً بشركات لا تستطيع حتى توفير رواتب موظفيها لسنوات عدة، مما شكل عبئاً على ميزانية الدولة، كما هو الحال مع شركة طيران الخليج، والتي يبدو أن الإصرار على بقائها فقط مرتبط بقدرة الدول الخليجية -والتي كانت شريكاً فيها- على بناء شركات طيران عملاقة تنافس شركات الطيران العالمية الناجحة، لذلك فمن المخجل أن تكون طيران الخليج الشركة الأولى التي تصفي أسطولها وتغلق محطاتها.
فإذا كان الأمر كذلك؛ فلماذا لا يعاد تقييم وضع الشركة والوقوف على أسباب مديونيتها؟ فها هم الرؤساء التنفيذيون يتوالون، كذلك مجلس الإدارة، ولم يطرأ أي تغيير، ولا حتى إعادة نظر في رواتب الموظفين العالية وما يتبعها من علاوات تشجيعية، رغم تبني الشركة عدداً من عمليات التسريح والتقاعد المبكر بعروض مشجعة ومكلفة، في الوقت الذي يتم فيه رفع سقوف الرواتب لموظفيها مع استمرار التوظيف، مما يدل على عدم وجود أي استراتيجية لا آنية ولا مستقبلية لدى القائمين عليها، وذلك بعد أن بلغت خسارتها منذ 2006 إلى اليوم مقدار 1.2 مليار دينار، هذا مع عدم احتساب الدعم الذي قدمته الدولة والذي يتعدى 200 مليون دينار سنوياً، ونتذكر طالبت وزارة المالية بفتح اعتماد إضافي في الميزانية العامة للسنة المالية 2012 يخصص منه 664.3 مليون دينار لزيادة رأسمال الشركة، ولكن ما النتيجة!
الأمر لم يتوقف عند شركة طيران الخليج؛ بل ها هي شركة «ممتلكات» والتي تعاني من خسائر متواصلة، ومنها شركة «إدامة» التي تذكر التقارير أن خسارتها قفزت في 2011 من 31 مليون دينار إلى 209 ملايين دينار في 2012، بالإضافة إلى الشركات التابعة لها والتي لم تحقق معظمها أية أرباح تذكر، هذه الشركات تملك الحكومة 50% من أسهمها، كما تتحمل الدولة نفسها مسؤولية خسارتها، والحل لا يكون كما اقترح بعض النواب بإدراج «ممتلكات» ضمن موازنة الدولة لتكون تحت الرقابة النيابية وتشكيل لجنة تحقيق بشأن خسارتها، فهذا الأمر يحتاج لقرار دولة بإعادة النظر في جدوى استمرار هذه الشركات وإعداد حلول سريعة مثل إعادة النظر في مجلس الإدارة، وتقليص فوائد الموظفين وامتيازاتهم وتقليل حالة البذخ الذي يعيشون فيها في ظل شركات تتفاقم خسارتها، مما قد يشكل كارثة حين تتجه ميزانية الدولة إلى دعم شركات خاسرة مقابل رفع الدعم عن المواطنين، الدولة أحوج لهذه الملايين التي تهدر سنوياً عليها حتى تتمكن من الالتزام بمسؤوليتها كدولة اعتاد شعبها على عيش طيب.
لم تتوقف الخسارة والدعم على طيران الخليج وممتلكات، بل تقديم الدعم لشركة نفط من المفترض أن يكون أهم موارد الدخل، خاصة إذا ما نظرنا إلى حالة البذخ التي يعيشها موظفوها، فهذا أمر لا يقبله العقل؛ أن يدفع المواطن ثمن بذخ موظفين في شركات وطنية رغم خسارتها، والأكثر من هذا أنها تلتهم حصة المواطن في ميزانيته.
سنعيد ونكرر عن هذه الشركات، لأننا نتحدث عن عجز في ميزانية وإجراءات تقشف تطال حياة المواطنين، دون أن يعاد النظر في وضع هذه الشركات، والتي كأنها تمول من كنوز «قارون»، فهذا وضع فيه إحراج بالنسبة لدولة تميزت بخبرة اقتصادية طويلة، دولة بنت اقتصاداً ونقلت الناس من بيوت «البرستي» إلى العيش في فلل أقرب إلى القصور، وكان ذلك بفضل الرؤية السديدة التي كانت تتمثل في الدولة حين مسكت الاقتصاد بحنكة وبعد نظر جنى ثمارها الشعب، حيث يتمتع بأفضل الخدمات في كافة المجالات، والتي ستنحسر عنه رويداً رويداً حتى يتحقق أمل أعدائه الذين بشروا بعضهم من أمثال علي سلمان: «البحرين ينتظرها مصير اقتصادي أسود»، وهذا التعليق لا يجب إغفاله، خاصة أن هناك أيادي خفية تلعب في مقدرات بعض الشركات والبنوك الوطنية، وإن كان تعليق سلمان يقصد به أن الوضع الأمني هو السبب ويريد أن يوهم الدولة بذلك حتى تتجاوب مع ابتزازه، ولكنه ليس السبب نهائياً.
فالمشكلة ليست في الوضع الأمني، فالوضع الأمني أفضل بكثير من دول الخليج التي ينمو اقتصادها سنوياً بالمليارات، لكن المشكلة غياب استراتيجية ومراجعة والاعتراف بالأخطاء وإعادة تصحيحها بجرأة ودون مجاملة، وها نحن نرى السعودية قد حولت منشآت حكومية ومؤسسات اقتصادية مترنحة لمنشآت ناجحة بـ«شخطة قلم».