من أكبر العوامل التي دفعت شبابنا الخليجي لينخرط في أعمال عنف أو قضايا إرهابية هو انشغال القائمين الرئيسيين على التربية بشكل عام بعدم الاهتمام بأبنائهم، فالتاجر لا يدري أين وكيف يعيش صغاره، والموظف لا يعلم من أين يتلقى صغاره أفكارهم وسلوكياتهم، وحتى عالم الدين، فإن له اهتماماته ومسؤولياته التي أخرجته من دائرة العناية بأطفاله، وكذلك بقية الوظائف التي حجبت أولياء الأمور عن تربية أبنائهم بطريقة حضارية وصالحة ومسؤولة.
اليوم لم يعد للأسرة الخليجية دور مباشر في التربية، فوسائل التواصل الاجتماعي والمدرسة والشارع ودور العبادة ومنبر الجمعة والأصدقاء وحتى «الشغالة»، كل أولئك لهم الدور الرئيس في تشكيل وعي صغارها من المهد إلى اللحد، عدا الأسرة التي غاب دورها الفاعل في هذا المجال، اللهم إلا القليل من أبنائنا الذين حصلوا على رعاية أسرية كافية، حصنتهم من الوقوع في شرك الإرهاب والعنف.
حين يخرج المسؤول عن تربية الطفل، سواء كان أماً أو أباً، من المنزل من الصباح حتى المساء، دون أن يتابع صغيره بماذا يتغذى من الأفكار، ومن أين يتحصل عليها، فإنه بذلك يساهم بشكل كبير في انحرافه فكرياً وأخلاقياً، لأنه حين نترك جهازاً إلكترونياً واحداً في يد الصغير، فإننا بذلك تركنا في يده عالماً كبيراً ومفتوحاً، حتى يعرفه الجهاز على مجموعة كبيرة من المجاميع البشرية عبر العالم، سواء من خلال جهاز التلفاز أو الإنترنت أو حتى من خلال هاتفه المحمول، دون معرفة هوية من يتصل بهم أو حتى معرفة طبيعة أفكارهم وسلوكهم، فنكون بهذا الإهمال قذفناه إلى جهة مجهولة، وحينها سيكون ابنك إما إرهابياً خطيراً أو مفكراً عظيماً، والأُولى أقرب إلى الحدوث عن بقية كل الاحتمالات الأخرى وبنسبة عالية جداً، وذلك يعود لطبيعة ما يتدفق من تلكم الفضاءات من معلومات غير جيدة وربما خطرة على وعي صغارنا، خصوصاً وأنهم لا يملكون مرشحات تقوم بتنقية وتصفية ما يستقبلونه من أفكار وسلوكيات.
أكثر الذين التحقوا بالمجاميع الإرهابية من شبابنا العربي وغير العربي في هذه المرحلة، هو بسبب إهمال الأسرة لهم، واعتمادهم في تربيتهم لصغارهم على أجهزة تعج بمليارات الأفكار والسلوكيات المنحرفة والبعيدة عن روح الإنسانية والتحضر، أو إرسالهم لدور العبادة التي لم تخضع أساساً لمراقبة الدولة والمجتمع، فيكون الحال أن نصطدم بأعداد هائلة من شبابنا ينخرطون في أعمال إرهابية ونحن في غفلة من ذلك، أو يتسربون خارج أوطانهم للانضمام إلى مجاميع جهادية إرهابية، في الوقت الذي تغط الأسرة في نومها العميق.
على الأسرة الخليجية -وهي محور حديثنا- أن تبادر باستلام مسؤوليتها التربوية والتعامل معها على محمل الجد، وأن تقيم وضعها في قضايا التربية الأسرية بعد الأحداث الأخيرة في المنطقة، وأن تتفرغ ولو قليلاً للعناية بأبنائها، فالأبناء أمانة في أعناقنا، سوف نسأل عنهم في الدنيا قبل الآخرة، فهل أعطينا هذا الموضوع الخطير شيئاً من الأهمية؟ أم سنظل طيلة حياتنا نبكي على»الدم» المسكوب؟