لم نشاهد من المسلسلات الرمضانية ولا في شهور السنة العادية، ولا في الأفلام التاريخية تتطرق أي منهم إلى التاريخ الصفوي ومؤامراته مع الصليبين على الإمبراطوريات الإسلامية، برغم وفرة الكتب التاريخية التي سجلت هذه المؤامرات والتحالفات بين الصفويين والصليبين للإطاحة بالحكم السني والتصدي للفتوحات الإسلامية في الغرب والشرق، فقط نرى المسلسلات تنشط والأفلام تكثر في الإساءة إلى التاريخ الإسلامي وشخصياته المشهود لها بالبطولات والفتوحات، والإساءة إلى المذهب السني بالاستهزاء برموزه في المسلسلات والأفلام العربية والخليجية، ولا ندري هل أصبح التاريخ الإسلامي عدواً للمخرجين والمنتجين والقنوات العربية الذي يسعون من خلال إنتاجهم إلى محو الهوية وإبادة الثقافة، وإحلال مكانها مسلسلات يصبح نجومها أبطالاً تكتب فيهم المقالات ويشيد بهم الساسة والمثقفون، وكأنهم حرروا فلسطين أو حاربوا معتدين.
نعم لم يتجرأ أي منتج ولا مخرج على التاريخ الصفوي القديم أو الحديث الذي سفك دماء المسلمين واستحل نساءهم ونهب ثرواتهم، لم يتجرأ أي منهم إلى التطرق إلى حزب الله في أي مسلسل ولا حتى حلقة واحدة، ولم يتجرأ أي منهم على إنتاج أي فيلم يتعرض للجرائم الصليبية في حق المسلمين أو في حق أي من شعوب العالم التي وصلت ضحايا حروبهم مئات الملايين، فقط صوروا الأرهاب وألصقوه بأهل السنة، ولا بد في هذا الإلصاق أن تكون هناك مجموعات أرهابية بهوية سنيـة، وبالفعل صنعوها، وأبدعوا في صنعها.
ونسأل هنا هل هذا المخرج العراقي الجريء يمكنه أن يخرج مسلسلاً يتعرض لجرائم حزب الله أو يستهزئ برجال الدين الشيعة، أو يظهر كراهية الحكومة العراقية الطائفية لأهل السنة في أي مقطع من المسلسل، وليس بالضروري كل حلقاته، ثم هل تسمح هذه القنوات التي تسيء إلى رجال الدين السنة، بأن تسيء لرجال الدين الشيعة، أو تسخر من عقيدتهم، كما تسخر من عقيدة السلف، أبداً لن يكون هناك شيء من هذا، وإلا لرأينا الهجوم الإعلامي الذي تقوده إيران يستبيح دماء العاملين في القناة وصاحبها ومخرج المسلسل والممثلين جميعهم.
التغلغل الصفوي بدأ واضحاً ومكشوف في كل مفاصل الدول الخليجية والعربية وخاصة المجال الإعلامي، والذي مع الأسف الشديد أن هذا الإعلام العربي الذي بدأ يحجب أخبار الجرائم والإرهاب الصفوي في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، ويصور الإرهاب والتخلف في الأمة الإسلامية ورجال دينها وحكامها، هذه الهجمة الإعلامية والتغلغل الصفوي لم يندد بها ولم تستنكر ولم تلجم من قبل أي دولة عربية أو خليجية. هذا الإعلام الذي بدأ يمحو الهوية العربية الإسلامية، ويغير ثقافتها حين يشين إلى أبطالها وإمبرطوارياتها، هذا الإعلام الذي يأتي بمسلسلات ويأتي بمقدمي برامج لينالوا من أعراض وشخوص شخصيات دينية معروفة، في الوقت الذي فيه يمجدون عدو الأمة وينعتونه بالتسامح وبالطيبة وأنه مظلوم ومضهد، ويدعون للتقارب معه، ويظهرون المودة والمحبة والمجاملات في البرامج والأخبار، نعم هذه القنوات قد دأبت ومنذ سنوات الإساءة إلى الهوية الإسلامية، غير مكترثة ولا آبهة، لأن مع الأسف الشديد هي تدرك أنه لن تكون ردود فعل، إلا على المستوى الفردي، الذي يدعو بمجهوده بمقاطعة هذه القناة وتلك القناة نصرة لدينة ولبلاده.
لقد ظلم الإعلام الخليجي والعربي التاريخ الإسلامي، كما ظلم المسلمين حين تجاهل مشاعرهم، وأضر بثقافة أبنائهم الذين سيخرجون بثقافة على سبيل المثال عن الامبراطوية العثمانية بسلطان حوله جواري وحريم ومؤامرات ودسائس بين الأب وابنه، كما ستكون فكرتهم عن الدين هو تزمت وتشدد وقتل وتصفية باسم الإسلام، وذلك حين يكون المسلسل يصور الإسلام كما صوره في مسلسل «سيلفي» بأنه سفك دماء وابن يقتل ابنه باسم الجهاد، دون أن يوضح هذا المسلسل هوية المجموعة ومنهجها، نعم ستخرج أجيال دون هوية إسلامية صحيحة، في الوقت الذي تغض هذه القنوات الطرف عن إظهار حقيقة أعداء الأمة والإشارة إلى جرائمهم ومنهجهم، لا في مسلسل ولا في أخبار ولا على لسان مقدم برامج يقدح في رجال الدين المعروفين، دون أن يتجرأ بأن يتطرق إلى شخصية دينية شيعية أساءت إلى الدين، أو أساءت إلى الدولة، لأن يعرف بأنه سيتم تصنيفه طائفي، ولكن عندما يستهزئ برجال الدين السنة سيكون بطلاً وجريئاً، بل متنوراً ومثققاً وليس طائفياً البتة.
الخلاصة أن التغلغل الصفوي أصبح واقعاً في القنوات الفضائية العربية، وهي من إسقاطات الخطة الخمسينية الخمينية التي استطاعت أن تصل بأتباعها إلى هذه القنوات، فقط بحث لا يحتاج إلى جهد يمكن أن تكشف المتنفذين في هذه القنوات، وبعدها لن تستغربوا لماذا تستهدف الأمة الإسلامية في تاريخها، ولماذا يقدح في أبطالها، ولماذا يسيء إلى رموزها، ولماذا تتحيز هذه القنوات إلى إيران والعراق التي تظهرهم هذه القنوات مدافعين عن الحريات ومتصدين للإرهاب.