خذوها قاعدة، حينما ترون شخصاً، أياً كان، مسؤولاً رفيعاً أو أدنى منه رتبة، أو غيره من تصنيفات الناس سواء المهنية أو الاجتماعية، حينما ترونه «يلف ويدور» ولا يتحدث بأسلوب «صريح ومباشر»، فاعلموا بأن السبب وراء ذلك مبني على أحد الدوافع الآتية:
-1 محاولة إخفاء معلومات هامة، من شأن كشفها أن تثير استياء وفوضى لدى شرائح معينة، وبالأخص لدى عموم الناس.
-2 محاولة تبرير أخطاء حصلت سواء معنية بالتخطيط أو التنفيذ أو سوء الإدارة، تجنباً لسيل من الانتقادات القاسية التي تشكك في أهليته للإدارة.
-3 محاولة المراوغة قدر الاستطاعة، حتى لا يكون هناك اعتراف بشكل صريح وواضح بأن المسؤول ومن معه «فشلوا» في عملهم وأدائهم.
في مجتمعنا، اعتدنا معايشة ومتابعة عملية استنساخ شبه يومي للنقطتين الأولى والثانية، إذ كثير من المسؤولين يعملون بطريقة توحي لك أنهم يديرون «مفاعلاً نوويا» أو مؤتمنين على «أسرار عسكرية فائقة السرية»، فترى عملهم وكلامهم مليئ بـ«الغموض» والتكتم، تسألهم سؤالاً واضحاً، فتجد جواباً يأخذك لنقطة بعيدة جداً.
وطبعا في شأن تبريرات الفشل والأخطاء لم أرى «أبرع» من بعض المسؤولين لدينا في «اختراع» الأسباب والمسببات، وكيف أن كل فشل يحصل، أو تأخر في تنفيذ مشاريع، أو تعامل كارثي مع الناس، أو تردي جودة تقديم الخدمات، كلها تحصل بسبب «عوامل خارجة عن الإرادة» أو بسبب «ظروف طارئة قاهرة». وبالتالي إن كنت تريد «الصدق» من المسؤولين، فلن تجده عند كثيرين، بل تجد لديهم إجابات بأساليب «التفافية» تجعل رأسك «يلف ويلف» معها.
لكن النقطة الثالثة، وهي التي أراها الأهم، وهي التي اعتبرها الأساس في كل شيء، لأنها في واقعها «إقرار» شخصي مباشر بالفشل، إثبات لما يقوله الناس وتراقبه الصحافة وتنتقده ولما توثقه تقارير رقابية لما قد يكون فشل للسياسات، أو فشل في التنفيذ، أو «خيبة أمل» المصيبة فيها أنها «خيبة» في حق الدولة ومشاريعها وأدائها ووعودها للمجتمع. وعليه فإن «عدم الاعتراف بالفشل» هي الكارثة الحقيقية التي نراها تحصل في البحرين.
علم الإدارة، يوثق في أساسياته البسيطة في شأن التخطيط الاستراتيجي والتنظيم ومحاولة بناء النجاح بطريقة علمية صحيحة، يوثق الخطوة الرئيسة التي تقول إن «الفشل قد يكون سبباً من أسباب النجاح»، بمعنى أنه عندما تفشل أو تقع في أخطاء تعرض جهودك كلها للخلوص لنتيجة معاكسة لما خططت له، فإن النقطة الأولى التي تبدأ عندها تتمثل بـ«الاعتراف بالفشل».
حينما نعترف بـ«الفشل»، ونواجه أنفسنا بكل صراحة، ونشخص خططنا وأدائنا بكل واقعية، ويعقب ذلك مواجهة المسؤولين الأعلى في الترتيب الهرمي، ونمتلك الجرأة لمواجهة المجتمع والجماهير ونعلن مسؤوليتنا عن الأخطاء أو الفشل، هنا نكون وضعنا أول خطوة لأقدامنا على طريق التصحيح، مع الأخذ في الاعتبار بأن الاعتراف بالخطأ دون «نية صادقة» لتصحيحه أو تعديل أساليب العمل، لن يصنع إلا تكراراً للفشل ولربما يقود لفشل أكبر منه.
لو كل فشل حصل في البحرين منذ سنوات طويلة شهد اعترافاً به، أي اعترافاً من المسؤولين بفشل هذه السياسة أو هذا المشروع أو ذلك التخطيط، لصححنا كثيراً من المسارات، ولعدلنا كثيراً من السياسات، ولما تفاقمت مشكلات بسيطة وتحولت لمشاكل معقدة ومركبة وكأنها عقدة ضخمة مليئة بعقد صغيرة معقدة ومتشابكة يصعب فكها، مثل مشكلة الإسكان والعجز الاكتواري والدين العام وتفاقم الأخطاء الإدارية والهدر المالي.
لو أننا فقط نعترف بالخطأ، لو فقط نغير الصورة النمطية المزعجة التي صنعها بعض المسؤولين والوزراء عن أنفسهم وسياساتهم بأنهم هم –أي بعض الوزراء والمسؤولين- هم «أفهم» و«أخبر» المسؤولين بما يخططون له ويقومون به، لما وجدنا أنفسنا أمام واقع مؤلم يقول إن أغلب مشاريعنا متعثرة، أكثر خططنا فاشلة أو تتعرض لمعوقات تفشلها، وأكثر ما يبرع فيه كثير من مسؤولينا «الكلام» و«تبرير الأخطاء» و«التنصل من المسؤولية»، والأدهى حينما يتحدث بعضهم ويقولها بصراحة للناس «نحن نفهم أكثر منكم»! والمفارقة السمجة هنا بعدها، بأن «المواطن هو المتضرر أكثر منهم»!