لم يكن ينقص الخلاف المتصاعد بين حركتي فتح وحماس سوى زيارة رئيس الدبلوماسية الفرنسية لوران فابيوس كي تندلع «حرب» تصريحات تضاف إلى ذلك التراشق الذي لم يتوقف بين الحركتين، والذي وصل ذروته بعد الأنباء التي تم تسريبها بأن «هدنة طويلة الأجل» في طريقها إلى التوقيع بين حماس وإسرائيل بوساطة من دولة عربية ذات علاقات «متينة» بين الطرفين» وتزكية عربية يرشح أنها جاهزة في حال وجدت ضوءاً أخضر من عواصم القرار الدولي -أو بعضها-.
وبصرف النظر عمّا اذا كانت الحكومة التي شكّلها رامي الحمد الله قبل عام من الآن (2/6/2014) قد نجحت في الاختبار، خصوصاً لجهة ما وصفت به بأنها حكومة «وحدة وطنية» أم لا؛ فإن الجدل الذي دار حول «استقالتها» وتلويح رئيس السلطة باستبعاد حماس من تشكيلة أي حكومة جديدة بعد أن خرجت على «الإجماع» الفلسطيني وراحت تدير «مفاوضات» مع إسرائيل حول اتفاق يفسح في المجال لهدنة طويلة، وذهاب أصحاب السلطة كما أهل فتح، إلى تخوين الحركة واتهامها بأنها تسعى إلى فصل غزة عن الضفة الغربية وإقامة «دويلة» في القطاع وحده، يشي بأن «المتحكمين» بالبيت الفلسطيني «الداخلي» ما يزالان غير قادرين وربما غير راغبين في مغادرة مربع الانقسام والتقدم نحو تبني برنامج وطني واضح ومحدد يضع حداً لجموح كل من الحركتين اللتين لم تنجحا في شيء أكثر من نجاحهما في تحطيم الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتمزيق النسيج الاجتماعي، وخصوصاً نسيج المقاومة الشعبية المتحررة من التبعية للانظمة العربية واملاءات المحاور، وخصوصاً التحالفات الأيديولوجية ذات الطابع الإسلاموي، التي ألحقت بالشعب الفلسطيني وبرنامجه الوطني «المُطاح» من قبل فتح وحماس أضراراً جسيمة يصعب تعويضها أو استعادتها، إذا ما استمر الخلاف العبثي بين قادة الحركتين على هذا المقعد الوزاري أو تلك الحقيبة، التي لا تضيف «فائدة» إلى الشعب الفلسطيني أو تسهم في دفع مشروعه الوطني إلى الأمام بعد أن ظهر إفلاس الحركتين السياسي والاجتماعي، وفقدتا جزءاً من شعبيتهما المبالغ فيها أصلاً.
ناهيك عن افتضاح أو هزال مشروعيهما، اللذين يزعمان أنه تحرري ولا يخرج عن الثوابت الفلسطينية المعروفة وبخاصة في الإصرار على حق العودة، فإذا بنا أمام مشروع فتحاوي وآخر حمساوي لا يقيم وزناً أو يتعاطى بجدية مع مثل هذا الحق، وإذا ما فعل ذلك، فإنه يأخذه كعامل مساومة، وتحسين لشروط المفاوضات (اقرأ التنازلات) مع العدو الصهيوني وهم كل منهما هي الإبقاء على تنظيمه / حركته والبقاء في دائرة السلطة الوهمية التي باتت عبئاً على الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني هذه المرحلة أكثر من أي مرحلة سبقت..
ماذا عن فابيوس والحكومة العتيدة؟
الوزير الفرنسي الذي زار رام الله في إطار جولته الشرق الأوسطية المكرسة للترويج لما يقال إنه مشروع فرنسي «قد» يُطرح على مجلس الأمن لاستئناف المفاوضات وتحديد جدول زمني لانتهائها (خلال عامين) ليصار بعدها الاعتراف بدولة فلسطينية بقرار من مجلس الأمن (والتي رفضها نتنياهو علنا -بصراحة أو صلف لا فرق- معتبراً أنها محاولة لإخضاع إسرائيل ومحاصرتها)، قال على لسان رئيس السلطة إن حماس لن تشارك في الحكومة الجديدة لأنها (الحكومة الجديدة) ستتشكل من الفصائل المنضوية تحت لواء «منظمة التحرير»، ما يعني أنها تعترف بإسرائيل وتوافق على شروط الرباعية الدولية الأخرى، وهنا يبدو استبعاد حماس «مبرراً» لأن الأخيرة ما تزال (تزعم) أنها ترفض الاعتراف بإسرائيل ولا تتعاطى مع إفرازات أوسلو واستحقاقاته.
حماس التي تلبسها الغضب، لم تجد رداً على ذلك سوى القول -وعلى لسان سامي أبو زهري- بأن ذلك «تنكر» لاتفاق المصالحة (...).. هنا والآن تحضر الأسئلة الكبيرة التي ليس بمقدور فتح، وخصوصاً حماس توفير الإجابة عليها أو التغطية على ما تقارفه الحركتان من أعمال تصب كلها في خانة الحؤول -وبأي شكل- دون حدوث أي نوع من أنواع المصالحة، فلا حماس مستعدة لإشراك سلطة رام الله في «حكم» غزة ولا حتى في الإشراف على إعادة إعمار غزة، ولا الأخيرة (السلطة أو فتح) ترى في مصلحتها إجراء انتخابات عامة في هذه الظروف (وهما بالمناسبة الشرطان اللذان قامت على أساسهما ما وصفت بحكومة الوحدة الوطنية بعد اتفاق مخيم الشاطئ 23 نيسان 2014 في منزل إسماعيل هنية).
قصارى القول إن الحروب الإعلامية والشخصية والمناطقية والفئوية والأيديولوجية (..) والانخراط في لعبة المحاور والتجاذبات الإقليمية، تزيد من يأس الفلسطينيين وقرفهم من حركتين تدعيان انهما «تقودانه» نحو التحرر والانعتاق وتقرير المصير، فاذا بهذا الشعب المنكوب بقيادات كهذه، يدفع الثمن مضاعفاً، أساساً جراء استمرار العدوان والاحتلال الاستيطاني وتواصل المشروع الصهيوني الإحلالي وثانية في معارك فتح وحماس التي تخاض فقط لصالح «أصحاب» هاتين الحركتين وليس لأي شيء آخر.
- عن جريدة «الرأي» الأردنية