في ظاهرة متكررة؛ تم فصل أحد المديرين في أحد المستشفيات العامة ورئيس التنظيفات في إحدى الدول الخليجية الشقيقة على إثر مقطع مصور تم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي لوجود «صراصير في غرف أحد المرضى»، وهذه ليست هي المرة الأولى، فقد شاهدنا تأثير الإعلام في اقتلاع وزراء من مناصبهم؛ بل وصل الأمر إلى أكبر من ذلك في بعض الدول الأجنبية بل وحتى العربية.
هنا يتجلى الدور الأصيل والصحيح للإعلام؛ فالإعلام هو صوت الشارع، وهو يعكس ما يدور على أرض الواقع لكي يتبناه المسؤولون في الدولة ويتحققوا منه أولاً ومن ثم إصلاحه.
ولا أحد يستطيع أن يقلل من الدور الذي يلعبه الإعلام في حياتنا، سواء الإعلام المرئي أو المسموع أو المكتوب أم الإلكتروني، أو يستهين به، فمهما تغيرت المعطيات من حولنا يظل الإعلام يلعب دوره كسلطة رابعة تعكس صوت الشعب بكل شفافية وحرية.
وهناك نوعان من الإعلام؛ إعلام مسؤول وإعلام غير مسؤول، فالإعلام المسؤول هو المبني على الدراسات والبحوث بغية التأثير في المتلقي بشكل إيجابي وتشكيل الرأي العام، وهناك إعلام غير مسؤول يهدف إلى نقل الشائعات وإثارة الفتن، وتزييف الحقائق، أو إلى التسلية فقط.
وفي هذا الشهر الفضيل تتسارع الفضائيات من أجل جمع المشاهدين حولها، فهل تدارست القنوات «العربية» ما تبثه من مواد إعلامية؟ وهل تدارست تأثير المواد الإعلامية على المجتمع وعلى المنظومة الأخلاقية؟
ونظرا لأنني أعكف حاليا على القيام بتقرير خاص بتحليل المحتوى الإعلامي في رمضان، خصوصاً للمسلسلات الخليجية، فقد «أسفت» جداً على المستوى الهابط للأعمال الدرامية، فمع التطور الرائع الذي أظهره المخرجون إلا أن مضمون هذه المواد «يشوه صور المجتمعات الخليجية».
ولا أستغرب أبداً مما قالته لي صديقتي «من إحدى الدول العربية» وهي تصف مجتمعاتنا بناء على ما تشاهده في الدراما الخليجية، حيث قالت لي «جميع أهل الخليج يسكنون القصور، وهناك تهميش واضح للأقليات، جميع رجال الخليج (عيونهم زايغة) ولديهم شركات أو يشغلون وظائف عليا ولديهم علاقات سرية مع سكرتيراتهم والعديد من النساء الساقطات».
أما المرأة الخليجية فتنقسم إلى قسمين قسم «لا يهمه شيء سوى المكياج والملابس»، وقسم آخر مطحون يضحي بنفسه من أجل تربية الأبناء! أما الشباب الخليجي فهو «تافهه» يقود سيارات فارهة، ويتعاطى المواد المخدرة، وغير بار بوالديه! كما أن هناك اضطراباً واضحاً في الهوية الجنسية لدى الشباب! فالنساء يتشبهن بالرجال والرجال يتشبهن بالنساء.. أما عن الأدوار التي تؤديها «الشابات» في المسلسلات الخليجية فهي تكشف عن «إسفاف أخلاقي منقطع النظير»، فتظهر الدراما بأن البنت الخليجية تقيم علاقات محرمة بسرية عن معرفة الأهل والعديد من التصرفات «غير الأخلاقية».
بصراحة لا ألوم صديقتي العربية عندما أبدت دهشتها لدى زيارتها للخليج، حيث إنها تفاجأت بما رأته من مبادئ وأخلاق لم يستطع الإعلام الخليجي عكسها من خلال مواده الإعلامية، وقالت لي بالحرف الواحد «لأول مرة أرى إعلاماً يشوه الواقع الاجتماعي ويدمره.. لقد نجحت الدراما الخليجية في تشويه صورة المجتمع الخليجي».
لا أعمم ولا أبالغ، قد يوجد في مجتمعاتنا بعض الأخطاء، ولكننا لسنا بقدر السوء الذي تعممه عنا الدراما الخليجية. ومن باب أولى أن تعكس الدراما الخليجية محاسن المجتمع وتؤكد عليها، لا أن تعكس لنا بعض المظاهر الشاذة وترسخها في عقول أبنائنا على أنها مظاهر طبيعية.
ففي أمريكا مثلا وبعد تفشي حالات العنف والتفكك الأسري حاولت الدراما الأمركية والبرامج الأمريكية الأكثر رواجاً ومتابعة تغيير الصورة النمطية للأسرة الأمريكية من خلال إبراز الترابط الأسري، كما أن هناك بحوثاً إعلامية كبيرة قامت من أجل تحسين صورة الشرطي الأمريكي، فبتنا نشاهد في الدراما الأمريكية صورة الشرطي الصديق الذي يجاهد من أجل كشف خيوط الجريمة بحرفية قانونية عالية.
أما نحن ومع أن عندنا من المرتكزات الكثير فإننا نفتقد إلى خطة إعلامية رصينة نستطيع أن نؤثر بها على المتلقين ونعكس بها مبادئنا، ناهيكم عن أن أصغرنا بات يعي بأن «الحرب» الحالية هي حرب أشهر أسلحتها الإعلام، إلا أننا لم نوجه إعلامنا حتى الآن ليعب الدور المنوط به، بل قمنا بتقليص ميزانية الإعلام، وإنتاج مواد إعلامية تستخف بعقل المشاهد وتستخف به.
- الإعلام صوت الشعب..
في المجلس العامر لصاحب السمو الملكي خليفة بن سلمان رئيس الوزراء الموقر قال «إنني أتابع الإعلام أولاً بأول.. فهو صوت الشارع» وأبدأ يومي بتصفح جميع الصحف وقراءة كل أعمدة الرأي لأستمع إلى صوت الشارع، فلا يجب على أي شخص أو مسؤول أن «يتحسس» مما يتداوله الإعلام أو ينزعج، بل على الجميع أن يفتحوا أذانهم وعقولهم وقلوبهم لما يدور في وسائل الإعلام فهو النبض الحقيقي للشارع».