من يرى أهل البحرين في المجالس الرمضانية ويراهم خارجها يشكك في قدراته في الفهم والاستيعاب، فكيف لهؤلاء الذين يؤكد سلوكهم في تلك المجالس حبهم الشديد لبعضهم البعض حتى ليبدون جسماً واحداً وروحاً واحدة وعلى قلب رجل واحد، وتمتلئ وجوههم فرحا بلقاء بعضهم البعض فيها أن يختلفوا خارجها بل يصل الخلاف بينهم إلى الحد الذي يضيعون فيه طريق الخروج من المشكلة التي يعانون منها ودخلت عامها الخامس؟ كيف لهؤلاء المحبين لبعضهم البعض والمعلين لشأن بعضهم البعض أن يكرهوا بعضهم البعض أو على الأقل يتخذوا من بعضهم البعض موقفاً قاسياً وغريباً كالذي يراه كل ذي عينين على مدار العام خارج مجالس رمضان؟
تناقض ولغز يحتاج فكهما إلى خبراء في علم النفس والاجتماع ليشرحوا كيف يمكن لمثل هذا الشعب الطيب والمحب والراقي والمتحضر أن يكون هكذا وهكذا في آن واحد، وكيف يمكن له أن يقبل أن يعيش هذا التناقض فيتخذ موقفاً من الطائفية ويتلبسها، ويتخذ موقفاً من العنف ويمارسه؟
مسألة يصعب فهمها واستيعابها، فمن يزور المجالس الرمضانية ويرى مقدار الحب الذي ينتثر في أجوائها ويسمع ما يدور فيها من أحاديث يدهش مما ينتثر خارجها من مشاهد ومسامع غريبة على هذا المجتمع الذي ظل على مدى التاريخ متخماً بالتآلف، إذا اشتكى منه فرد تداعى له الجميع يسهرون على راحته ويشاركونه معاناته، ويتقاسمون معه الألم حتى يزول.
ما الذي تغير وأوجد هذا التناقض المثير؟ كل البلدان تحدث فيها مشكلات، وكل المشكلات تنتهي بطريقة أو بأخرى، فلماذا لا تنتهي مشكلتنا رغم توفر كل هذا الحب فيما بيننا ورغم توفر الكثير من الحكماء وذوي الخبرة ممن يثق فيهم الجميع ورغم أن مشكلتنا ليست عصية على الحل حتى مع كل هذا التعقيد الذي صارت فيه؟
شعب واع متحضر متعلم مثقف محب للحياة ومحب لبعضه البعض؛ كيف له ألا يتمكن من إيجاد حل لمشكلته التي هي مقارنة بمشكلات دول أخرى تعتبر بسيطة؟ كيف لا يتمكن هذا الشعب الذي يفرح للقاء بعضه البعض من الجلوس إلى طاولة واحدة والخروج بتصور واحد يرضي كل الأطراف؟
ما يجري مع هذا الشعب مثير بالفعل، خصوصاً أن حكومته ليست كما الحكومات في دول أخرى تعتبره معادياً لها، ما يجري في البحرين لا يعدو اختلافاً في وجهات النظر، حيث الجميع يرنو إلى ما هو أفضل بما في ذلك الحكومة التي من الطبيعي ألا تقنع بالموجود وإلا انتهى دورها ولم يعد مبرر لوجودها.
شعب البحرين ناقش واقعه، فوجد أن الأمر يحتاج إلى الارتقاء بحياته، وهذا حقه، لكنه اختلف في سبل الارتقاء بهذا الواقع، فكل فريق رأى أن الطريق الذي اختاره هو الموصل إلى الهدف، وهذا وارد أيضاً وحق للجميع، ولأن الحكومة لا تجد ضيراً في كل هذا لأنه يساعدها على تحقيق جانب من أهدافها وتطلعاتها، لذا فإن الأمور سارت بشكل طبيعي إلى أن دخل «الشيطان» بين الجميع فأفسد كل شيء وأوجد للطامعين مكاناً وسبيلاً وتمكن من إيجاد الشرخ الذي من دونه لا يستطيع أن يعيش ويحقق أهدافه ومراميه.
هذه هي باختصار قصة البحرين، وقصة هذا الشعب، وقصة هذه الحكومة، بدأت طبيعية وسارت في الدرب الصحيح لكن توفرت ثغرات سعى البعض إلى استغلالها والدخول من خلالها فأوجد ذلك الشرخ الذي اتسع حتى أوصل إلى تلك الصورة المليئة بالتناقضات.
هل سيبقى الحال على ما هو عليه؟ هل سيستمر هذا التناقض الذي يعيشه هذا الشعب الطيب الواعي المتحضر؟ وهل سينتهي شهر رمضان المبارك ويعود وتعود الصورة نفسها بكل تناقضاتها