^ رغم أن لا أحد كان ينتظر الكثير من القرارات المصيرية من القمة العربية التي انعقدت أخيراً في بغداد، بناء على المشهد العربي العام، الذي لا أظن أنه شهد هكذا هواناً وضعفاً وتفرقاً منذ الغزو العراقي للكويت، فأحدث شرخاً في الصف العربي لم يرمم بعد، لكن الحال العربي اليوم يبدوا أكثر تعقيداً وتمزقاً؛ فالدول التي شهدت ثورات تمر بفترات عدم استقرار بدرجات متفاوتة، ففي الوقت الذي يبدو المشهد التونسي مستقراً نسبياً إلا من محاولات تثبيت مراكز القوى بين الاتجاهات الإسلامية والليبرالية، فإن مصر تتعرض يومياً لاختبارات حقيقية ما بين الحرس القديم الذي مازال يمسك ببعض خيوط اللعبة وانفلات الأمن وتداعي هيبة المؤسسة الأمنية واستعجال الشارع للإحساس بالنتائج ومطالبة المؤسسة العسكرية بتسليم الحكم وانتشار الطائفية الدينية بين المسلمين والمسيحيين، ومحاولة بعض متنفذي العهد السابق خلق الأزمات، وكلها اختبارات صعبة لم تتجاوزها ثورة النيل بعد. أما في ليبيا المتعددة الأعراق والتي انتشر السلاح فيها فقد استيقظت أحلام الانفصال، خصوصاً في بعض مناطق الجنوب، واليمن كذلك يعاني من جنوبه المطالب بالانفصال ومشاكل الحوثيين وارتباطاتهم الخارجية، إضافة إلى تأزم الوضع في السودان بعد انقسامه، والحالة الإنسانية المؤلمة في الصومال الذي يتصارع فيه الجميع على لا شيء، والأهم من كل ذلك ما يحدث للشعب السوري الشقيق من قتل وقمع يومي على مدى أكثر من عام خلف بالأرقام المسجلة أكثر من عشرة آلاف شهيد بيد نظام تجرد من كل إنسانية ونخوة للحفاظ على وجوده، ذلك الوجود الذي نعلم جميعاً أنه سيحارب من أجله للرمق الأخير لأنه رمانة ميزان الصراع في المنطقة، ولو تعب بشار نفسه ونظامه من مواصلة جنونهم فلن تسمح له بالتسليم القوى المتمسكة بنفوذها وأطماعها وخططها في المنطقة وعلى رأسها إيران التي تعلم أن سقوط نظام بشار يعني انتهاء رسمياً لمخططها التوسعي، أو على أقل تقدير، انتهاء نفوذها الذي سعت لسنوات لتثبيته، والذي يتصل الآن من أراضيها مروراً بالعراق فسوريا فحزب الله في لبنان، كما إن حليفيها الرئيسين وهما روسيا والصين -وبالتالي حلفاء نظام الأسد- يعلمان أن سقوطه سيؤثر على نصيبهم في لعبة تقاسم مناطق النفوذ والقوى في العالم. كل ذلك جعل أي متتبع لهذه القمة لا يرفع سقف توقعاته منها، خصوصاً في ظل قيامها على أرض العراق العربي الحبيب، الذي يعاني هو نفسه من انقسامات في كل شيء؛ بدءًا من رؤوس السلطة إلى واقعه الأمني، والأهم ذلك التوغل الإيراني غير المسبوق فيه!! لكننا كنا نتمنى، أقول نتمنى ولا نتوقع، أن نرى قراراً عربياً أكثر واقعية وبلهجة أكثر جرأه تجاه المجازر التي يتعرض لها الشعب السوري العربي الشقيق، والتي لم يقم بمثلها حتى القذافي -ويكفي أن نقول ذلك- ولا صالح وطبعاً لا مبارك ولا بن علي،, والأخيران يسجل لهما رغم كل شيء أنهما حقنا على الأقل دماء شعبيهما، أما بشار الأسد ونظامه البعثي وكل المتورطين معه -حيث ترد تقارير عن وجود لجيش المهدي وحزب الله والحرس الثوري الإيراني بجانب جيش الأسد وشبيحته- هؤلاء استباحوا دم السوريين وتمادوا في ذلك، بحيث أصبح من المستحيل منطقاً وعقلاً وإنسانياً أن يعود نظام الأسد لحكم سوريا، فكيف سيحكم بلد يطالبه مئات الآلاف فيه بدم أبنائهم؟! عدا أضعاف هذا العدد من المصابين والمشردين والنازحين. عملياً هذا النظام انتهت شرعيته، وما كان على القمة العربية أن تعطيه مزيداً من الوقت للنيل من دم السوريين!! فما تمخضت عنه القمة من تبني لخطة التسوية السلمية للأزمة السورية التي وضعها ممثل الأمم المتحدة والجامعة العربية السيد كوفي أنان، والتي تدور حول الحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها وسلامتها الإقليمية وتجنيبها أي تدخل عسكري ومطالبة الحكومة السورية بالوقف الفوري لكافة أعمال العنف والقتل، وحماية المدنيين السوريين، وضمان حرية التظاهرات السلمية لتحقيق مطالب الشعب السوري في الإصلاح والتغيير المنشود، والإطلاق الفوري لسراح كافة الموقوفين في هذه الأحداث، والسماح بدخول الصحافيين وتأمين حركتهم!! مثل هذه الخطة التي تخلو من مطالبة صريحة وواضحة للنظام السوري بالتخلي عن السلطة وتسليمها لحكومة وحدة وطنية انتقالية أو التلويح بتسليح الشعب السوري واستخدام القوة، والضغط على الصين وروسيا ولو اقتصادياً، كانت تصلح في بداية الثورة وليس بعد سقوط عشرة آلاف شهيد على الأقل!! والكل يعلم بذلك ربما حتى أنان نفسه!! ^ شريط إخباري.. لنتذكر حادثة برج التجارة العالمي في سبتمبر 2001 حينما قتل 3 آلاف أمريكي فشنت الولايات المتحدة حرباً على العالم، وتبدلت دول وأنظمة بأكملها؛ فهل الدم العربي ليس غالياً كما الدم الأمريكي؟! وهل من حقنا أن نقول بأن هذه القمة خذلت السوريين وخذلتنا معهم؟