أتريد أن تكتشف وتفرق بين الإنسان الطائفي والعنصري وبين الإنسان السوي المنصف والحيادي في تعاملاته ومواقفه؟!
فقط ركز على ما يرفعه ويردده من شعارات، وتابع تفاعلاته مع المواقف المختلفة، وأخضع كل شعار رفعه مع موقفه في أي شأن له ارتباط بمفهوم الشعار الذي رفعه، حينها ستكتشف أن هذا الشخص أو تلك الفئة والجماعة «صادقة» في ما تقول، أو «كاذبة» و«مدعية» في ما ترفعه من شعارات.
ولأنه موسم الإرهاب بكل ما تعنيه الكلمة، ولا أعني هنا بأن الإرهاب بدأ بالأمس أو اليوم؛ بل المقصد أن الإرهاب يعلن عن نفسه اليوم بصورة دعائية، وبأساليب ترويجية، ولا يتوانى عن البروز على الشاشات والقنوات، في حين كانت المسألة لسنوات سابقة تمثل للجميع ظاهرة مبهرة وغير اعتيادية حينما كان يظهر أسامة بن لادن زعيم تنظيم «القاعدة» في تسجيلات متلفزة تعرضها قناة «الجزيرة» الإخبارية، حينها كان العالم يستغرب هذا النوع من الأسلوب الذي فيه تحد وإرسال رسائل وتهديدات مباشرة. لكن بعد أن كسر بن لادن «التابو» لعملية «الدعاية الإرهابية» أصبح خروج خليفته أيمن الظواهري وغيره وغيره للتهديد عبر وسائل الإعلام أمراً اعتيادياً، حاله كحال النشرات الجوية في ختام البرامج الإخبارية.
نقول ولأنه موسم الإرهاب، فإن اختبار مصداقية رافعي الشعارات المناهضة للإرهاب مسألة بسيطة جداً، خاصة من يرفع عقيرته بالصراخ ويستميت في ما يكتبه في وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من وسائل الإفصاح والتعبير عن ذات، يرفع صوته وينادي بضرورة محاربة الإرهاب ونبذه، ويطالب العالم بأسره أن يدين الإرهاب ومن يقف وراءه وينفذه، ومن لا يقوم بالإدانة السريعة «بحسب رغبته» فإنه يعتبر مشاركاً للإرهابيين في جرمهم، وداعماً لهم، ومؤيداً لما يفعلونه.
لكن المفارقة تكمن بأن مثل مستوى رفع الصوت، والاستماتة في الإدانة والكتابة، وكذلك مطالبة الآخرين بالإدانة الفورية وإلا فالتخوين جاهز لهم، لا نجده يحصل إطلاقاً في شأن أعمال إرهابية أخرى، تقوم عليها جماعات مختلفة.
لنخضع الكلام للواقع، ونتساءل بشأن ردود فعل الكثيرين إزاء الحادث الإرهابي بدولة الكويت الشقيقة، والذي أعلن تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» الإرهابي مسؤوليته عنه. إذ واضح تماماً بأن الإدانة العنيفة والقوية صدرت من جميع المكونات والأطياف، صدرت بقوة من المكون السني في الكويت ودول الخليج وهنا في البحرين، بنفس القوة من الإخوة الشيعة الذين سقط منهم شهداء جراء هذا الإرهاب المدان والمحارب، في ممارسة إنسانية منطقية لأي فعل إجرامي.
هنا يبدأ خلط الأمور ممن يحبون أن يخلطوا الأمور، ويحبون التصيد في المياه العكرة. إذ يبدأ هؤلاء بتصوير «داعش» على أنها صنيعة كل فرد من الطائفة السنية، وأن من لا يدين الفعل من السنة هو متضامن مع داعش، مؤيد لما حصل. وللأسف يواصل هؤلاء في الضرب على هذا الوتر، والعزف على نفس الموال، في محاولة لاستفزاز صريح للطرف الآخر، وفي مسعى لوسم الآخر بأنه هو الإرهابي وهو القاتل وهو المخطط والمنفذ، حتى لو أدان.
هذا يحصل بالحرف، ولكم في وسائل التواصل مثال صريح على التخوين والاتهامات، والتي بسبب هذه الأفعال، تحرك الطرف الآخر وباتت تتكشف أمور ومعلومات وحقائق أدمى وأخطر وأرقام أكثر عن مجازر بحق السنة بيد إيران وحزب الله وجيوش الطاغية بشار الأسد.
الإنسان السوي الصادق في ما يؤمن به من مبادئ إنسانية يدين الإرهاب أياً كان شكله ولونه وموقعه، يدينه وإن كان صادراً على أبيه أو أخيه، لا يغض النظر عنه، ولا يحاول تجميله أو تبريره. وهذا ما نفعله ويفعله كثيرون، الإدانة موجودة لأي فعل إرهابي سواء أكان منفذوه من «القاعدة» أو «داعش» أو «الباسيج الإيراني» أو «حزب الله» اللبناني أو الطوابير الخامسة لـ«الولي الفقيه»، أو من الحركات المتطرفة الأجنبية.
لذلك هنا المحك الذي يبين لك من هو الطائفي الحقيقي؟!
هو ذلك الذي لم ينطق بحرف واحد إزاء قتل النظام الإيراني لمئات الآلاف من الإيرانيين السنة. هو الذي لم تهتز شعرة في جسده إزاء صور وأخبار الإعدامات لسنة الأحواز. هو الذي لم يحرك ساكناً أمام مجازر نظام بشار الأسد بمعاونة حزب الله اللبناني الذراع العسكري لإيران بحق الأبرياء السوريين السنة ومن يخالف النظام التابع لـ«الولي الفقيه»، خاصة أمام صور الأطفال الرضع الذين قتلوا والشيوخ والنساء، ولم يتكلم وهو يرى كل صور البشاعة والوحشية والديكتاتورية والطائفية تحصل في سوريا. بل بعض من يصف نفسه معارضاً «وهو كاذب» قام بالدعوة قبل عامين لحفل في البحرين ليكرم فيه الطاغية بشار الأسد.
لذلك من يشغل مواله اليومي بشأن إدانة داعش وضرورة محاربتها وتجفيف متابع تمويلها واتخاذ أقصى العقوبات بحق أعضائها، نقول له: نحن معك قلباً وقالباً، بل نطالب بإنزال عقوبات مشددة ومغلظة وعدم التهاون مع هؤلاء الإرهابيين الذين قتلوا أبرياء إخواناً لنا من الطائفة الشيعية وهم ساجدون لربهم في بيت من بيوته، نحن معك في الإدانة وبقوة ونبذ كل ذلك، نحن سنة وندين كل إرهاب يستهدف الشيعة، فما نؤمن به أننا مسلمون موحدون لله.
لكن السؤال هنا؛ هل يا من تدين داعش وأي إرهاب محسوب على السنة، هل بإمكانك أن تدين بنفس القوة والحماس أي إرهاب محسوب على مكونات شيعية، هل يمكنك أن تدين بنفس القوة وعلو الصوت إرهاب النظام الإيراني وأتباع «الولي الفقيه»؟ هل يمكنك أن تدين إجرام حزب الله وجلاوزة الطاغية بشار الأسد في سوريا؟!
هذا هو الفارق بين الإنسان السوي المنصف والحيادي والذي يرى الناس سواسية وحقوق الإنسان معاييرها واحدة، وبين الإنسان الطائفي والعنصري الذي لا تهمه سوى طائفته، ويدين ما يطالها فقط، ويخرس عما يطال الآخرين، إذ بالنسبة له، بقية الناس ليذهبوا للجحيم.
وطبعاً هذا الكلام أعلاه، ينطبق على فئات في المقابل، تقبل بالإرهاب المحسوب على السنة وتدين الإرهاب المحسوب على الشيعة.