قرار العاهل المغربي محمد السادس «منع الأئمة والخطباء وجميع المشتغلين في المهام الدينية من ممارسة أي نشاط سياسي»، قرار مهم لكنه يقلق كل الدينيين الذين اشتغلوا بالسياسة وانشغلوا بها في كل البلاد العربية، فهم يتوقعون أن يصدر في بلدانهم أيضاً قرار من هذا القبيل يكتفهم ويعيق تحركهم ويمنعهم من الخلط بين الدين والسياسة والتي يبدو أن الكثيرين منهم صاروا يرتاحون إليه. ولأن هذه الحالة متوفرة لدينا هنا في البحرين فإن الدينيين بدؤوا أيضاً يقلقون من صدور قرار مماثل يحرمهم من العمل في هذا الميدان الذي اعتبره البعض جزءاً من الرسالة الدينية. أما المتضررون من هذا الخلط والمراقبون الذين يرون كيف أن هؤلاء صاروا يستغلون الدين لخدمة مآربهم السياسية وكيف أنهم صاروا جزءاً أساساً من بعض الجمعيات السياسية فيتمنون أن يصدر مثل هذا القرار عاجلاً غير آجل.
القانون الجديد في المغرب دعا «كل العاملين في الحقل الديني إلى التحلي بصفات الوقار والاستقامة والمروءة»، بل ومنعهم من مزاولة أي نشاط مدر للمال في القطاع الحكومي أو الخاص إلا بترخيص مكتوب من الحكومة، أي أن القانون حدد تحرك رجال الدين في العمل الفكري والعلمي والإبداعي ذي العلاقة بالمجال الديني والذي لا يتعارض مع طبيعة العمل الديني.
حسب السلطات المغربية فإن القانون الجديد يهدف إلى «بناء مجتمع متراص متضامن ومتمسك بمقوماته الروحية ومنفتح على روح العصر ومبتعد عن كل تعصب أو غلو أو تطرف».
بالتأكيد لا يمكننا القول إن رجال الدين هم سبب مشكلتنا لكنهم سبب رئيس من أسباب تعقيدها، فلولا سماحهم لأنفسهم بالدخول في مساحة العمل السياسي التي يفترض أنهم بعيدون عنها لما تعقدت المشكلة ولتوصل السياسيون منذ زمن إلى حل يرضي الأطراف كافة، فما حدث ويحدث هو أن رجال الدين أقحموا أنفسهم في السياسة فتحولت خطبهم في المساجد من دينية تعلم الناس الفقه وتشرح لهم ما يهمهم من أمور الدنيا والآخرة إلى خطب سياسية بحتة ووصل بعضهم إلى حد التحريض مستغلاً مسألة تأثير رجل الدين على العامة.
دونما شك فإن رجل الدين مواطن أيضاً ومن الطبيعي أن يتفاعل مع الأحداث ويكون له موقف ورأي، وهذا من حقه ولا يمكن منعه من كل هذا، لكن ليس هذا هو المقصود من منع رجال الدين من السياسة، المقصود هو الانضمام إلى الجمعيات السياسية وترك واجبهم الديني وتفضيل السياسة عليه والقيام بعملية شحن العامة وتحريضهم والمشاركة في الاعتصامات والمسيرات والمظاهرات واستبدال خطبهم الدينية بخطب سياسية.
في البحرين توجد القوانين التي تحدد مجال رجل الدين ولكن يوجد أيضاً من يخالف تلك القوانين، وهم كثر، لذا فإن المطلوب هو قرار تاريخي يمنع بموجبه رجال الدين الانخراط في العمل السياسي والتفرغ لمهمتهم الأساس والمتمثلة في تعليم الناس شؤون دينهم ودنياهم وعدم استغلال الدين لتبرير اشتغالهم بالسياسة.
إن واحداً من أهم أسباب التطرف الذي صار الجميع يعاني منه هو اشتغال رجال الدين بالسياسة وتحكمهم بالضرورة في رجال السياسة الذين لا يستطيعون أن «يشكوا خيطاً في إبرة» من دون الحصول على الإذن والبركة من رجال الدين. ورغم أن هذا خطأ إستراتيجي وقعت فيه الجمعيات السياسية وعانت بسببه الكثير؛ إلا أنها لا تزال دون القدرة على تنفيذ عملية فك ارتباط يستوجبها العمل السياسي وتستوجبها تطورات الساحات على اختلافها.
دونما شك فإن مجتمع البحرين يختلف عن مجتمع المغرب لكن هذا، دونما شك أيضاً، لا يمنع من تطبيق القرار نفسه على رجال الدين هنا، بل إنه حان الوقت لصدور مثل هذا القرار