الحرب على الإرهاب لا تبدأ بالإجراءات الأمنية الاحترازية والمواجهة للإرهاب، بل تنتهي بها. وعلينا التنبه لمسألتين: الأولى أننا في دول الخليج لسنا مجتمعات معتادة على العنف وإن تأقلمنا في البحرين على بعض مظاهره. والثانية أن أساس الإرهاب الضارب في الوطن العربي هو أساس «عقائدي/ فكري»، لا يحتاج في كثير من الأحيان إلى التواصل المباشر مع التنظيمات الإرهابية المتطرفة، بل يكتفي بتبني أفكارها المشوهة عن الدين ومن ثم ينتهج أسلوبها في العنف. تلك المعطيات تجعل الحرب على الإرهاب أصعب من كونها حرباً أمنية.
في الوقت الذي تواجه فيه دولنا تهديداً مباشراً وصريحاً بتنفيذ عمليات إرهابية متعددة الصور علينا تشخيص الواقع بصدق وموضوعية. فالتنظيمات الإرهابية متشابهة المنهج متعددة الأسماء المتقاتلة فيما بينها على «الخلافة» تتكون هيكلتها من مركبين: الأول «العقل المدبر» وهو مكون دولي تشترك فيه جهات استخباراتية عالمية. ويستحيل أن يكون محلياً لأنه قادر على اختراق كافة الدول ويمتلك دعماً لوجستياً وعسكرياً ومادياً وقدرات على التدريب وعلى الاتصال والتنسيق ليست من الإمكانات الذاتية للتنظيم ولا من ذاته. المكون الثاني وهو «الجسم المتحرك» في التنظيم وهو مكون محلي. وبعض أعضائه من أبنائنا الذين عاشوا بيننا وتعلموا في مدارسنا وصلوا في مساجدنا وشاركونا الأعمال والأسواق. وهؤلاء هم نتائج فكر منحرف وفهم مشوه للأفكار الإسلامية. وقد تم استثمار الأفكار المشوهة عن الدين التي يتخبط فيها «الجسم المتحرك» للتنظيمات الإرهابية من قبل «العقل المدبر الدولي» لتشكيل الكتل الإجرامية التي تتحرك بين الدول وتتفشى وتنمو بشكل غير مفهوم متمكنة من تنفيذ عمليات إرهابية بالغة الدقة والخطورة. مبررة عملياتها بطاعة الله ورسوله ونشر الدين الحق وتنفيذ شرع الله.
وفي حقيقة الأمر مجتمعاتنا بتركيبتها الفكرية والنخبوية وبمشايخ الدين المبثوثين في المساجد والمدارس والجامعات لم يتمكنوا من تقديم إجابات واضحة تجاه الانحرافات الفكرية التي يتبناها الشباب الذين انخرطوا في التنظيمات الإرهابية الإسلاموية. وإن كانوا يمتلكونها فإن الدولة بأجهزتها المتعددة لم تعمل على نشر الثقافة الكافية لحماية باقي الشباب من اكتساب العدوى. فعلى سبيل المثال لا توجد إجابات وافية عن تصنيف دولنا وأنظمتنا السياسية هل هي إسلامية أم هي مخالفة للشريعة الإسلامية؟ فالإجابة عن هذا السؤال إما تفتح الذرائع لشن حروب التنظيمات على بلداننا أو تسدها. السؤال الآخر كيف نعالج مسألة الجهاد؟ أليس واجباً علينا نشر الإسلام بين غير المسلمين؟ ألم ينتشر الإسلام بالغزوات والفتوحات؟ وما هو موقف الإسلام من العبودية والرق والسبي والجواري؟ فليس ثمة أي نص يحرمه بل هو سبيل من سبل الطاعات بعتق الرقبة وحسن التعامل!!.
ومن الأسئلة الأكثر إلحاحاً هي أسئلة الآخر. فما موقف الإسلام من المذاهب والفرق المتعددة في الإسلام ومن غير المسلمين من الديانات المختلفة المقيمين في الدول الإسلامية؟ ولماذا توقف العمل بجمع الجزية منهم على الرغم من عدم وجود نص شرعي يقضي بوقفها؟
والكثير من الأسئلة التي لم يتم العمل على الإجابة عنها في السنوات الخمسين السابقة التي مهدت لتضخم التنظيمات الإسلاموية الإرهابية مما أدى إلى خلق فراغ فكري شغله الجهلة من أصحاب الفكر المنحرف والمتصيدون من أصحاب الأجندات التآمرية.
لذلك فإن الأساس الأول للتصدي للإرهاب يبدأ بتصحيح تلك المفاهيم المشوهة وتقويم السلوكيات المغلوطة في المراحل المبكرة من التعليم. فغرس المفاهيم السليمة عن الإسلام والجهاد وعلاقة المسلم بالآخر المختلف في المذهب وفي الدين يمثل عامل اتزان لشخصية الأجيال الشابة، وحصانة ضد ضخ الأفكار الدخيلة. كما أن تربية الطلبة في المدارس «عملياً» على التشارك والتسامح والتعايش تؤسس لسلوكيات إيجابية تساعد أفراد المجتمع على تقبل الآخر وتفهم الاختلافات والتعايش معها.
إن تماسك النسيج الاجتماعي وتماسكه المصد الأقوى ضد العمليات الإرهابية وضد مخططات اختراق المجتمعات ونشر الطائفية والمذهبية فيها. لذلك فالتحدي الخطير الذي تواجهه مجتمعاتنا يستدعي خطة حماية وتوعية تبدأ بالتعليم وتنتهي بالإجراءات الأمنية.