حتى وقت قريب كان المصلون يفرحون بوجود مصل غريب عن المنطقة يصلي في مسجدهم، وكانوا يتمنون عليه -كونه غريباً- أن يقبل دعوتهم له للعشاء أو الغداء ويعتبرونه «فأل» خير وبركة، وكانوا لا يترددون عن مساعدته لو علموا أنه يعاني من مشكلة أو ضائقة مالية، فقد كان في مساجدنا دائماً من يحرص على سؤال عابر السبيل عما إذا كانت له حاجة.
اليوم تغير الحال مائة وثمانين درجة؛ المصلون في أي مسجد صاروا ينظرون بعين الشك والريبة لأي شخص يبدو غريباً يصلي معهم، ولا يكتفون بالنظر إليه خفية وإنما ينظرون في وجهه ويتعمدون السلام عليه كي يحفظونه ولا يدعونه يفلت من مراقبتهم حتى ينصرف، وبالتأكيد لا يسأله أحد عن حاجته، فالمهم عندهم هو أن ينتهي من الصلاة وينصرف من دون أن يتسبب في أذاهم.
هذا الواقع لا يخص بلداً بعينه فهو يشمل كل البلاد الإسلامية وكل بلاد يتوفر فيها مسجد، لم يعد الناس يثقون في الغريب، بل لم يعودوا يثقون حتى في القريب لو لاحظوا عليه ما يستوجب الشك في تصرفاته أو كانوا قد سمعوا عنه ما يجعلهم يشككون في علاقاته بأشخاص معينين أو جهات معينة، فكل غريب وكل قريب من هذا النوع يظل اليوم تحت المراقبة في المساجد حتى ينصرف.
وضع غريب لم يكن أحد يتصور أننا سنعيشه يوماً في أي دولة من دول مجلس التعاون، لكنه اليوم واقع، وما حدث في السعودية والكويت من تفجيرات استهدفت المصلين أجبرت الحكومات والناس على أن يأخذوا حذرهم، فلا يتركون لأبناء الشيطان أي ثغرة أمنية يمكن أن ينفذ منها.
قرار وزارة الداخلية بتعزيز الأمن عند دور العبادة هو نتاج هذا التطور الغريب على دول التعاون، واستعانتها بمتطوعين ليس سببه قلة رجال الأمن أو ضعف كفاءتهم وإنما بغرض التعاون لمواجهة عدو يريد أن ينال من الجميع من دون استثناء، فما حدث في السعودية والكويت جعل من مسألة حماية دور العبادة هاجسا للأجهزة الأمنية في كل المنطقة، وصار تأمين مرتاديها وحمايتهم بالتنسيق مع القائمين عليها ضرورة.
توجيه وزير الداخلية 'التنسيق بين المحافظين والقائمين على دور العبادة لترشيح عدد من المواطنين» جاء في هذا السياق، وهو مهم ويعبر عن تفهم الدولة لرغبة المعنيين بدور العبادة، و«تسجيلهم لدى المديريات الأمنية كمتطوعين للتعاون مع رجال الأمن في إطار شراكة فاعلة في عملية التنظيم»، هو لإعطائهم صفة توجب التعاون معهم واستجابة المصلين لتعليماتهم، و»إخضاعهم لبرامج تأهيلية في مجالات الإسعافات الأولية والدفاع المدني» مسألة مهمة، وكذلك «إطلاق حملات التوعية وبيان خطورة التجمع في مواقع الحوادث»، فلا أحد يعلم إن كان هناك شوط آخر لما بدأه الإرهابيون لو حدثت عملية إرهابية في المكان.
ما ينبغي التأكيد عليه هو أن التعاون بين المواطنين ورجال الأمن في هذه المرحلة مطلوب ومهم ومن دونه قد يسهل على المتطرفين اختراق الصفوف وتنفيذ ما يحلو لهم من عمليات إرهابية يروح ضحيتها أبرياء. مسؤولية الأمن في المقام الأول هي مسؤولية وزارة الداخلية ورجالها، لكن في ظرف كهذا لا يمكن أن يتوفر الأمن من دون تعاون الجميع مع وزارة الداخلية. هذا يعني أيضاً أن علينا أن نجمد لبعض الوقت كل الملفات التي انشغلنا بها في السنوات الأربع الماضيات وأن نتحد ضد عدو واحد لا هم له سوى زعزعة الأمن والاستقرار في بلادنا ومنطقتنا. تعاون الجميع مع الداخلية يعين الأجهزة الأمنية -التي سبق أن أحبطت العديد من المخططات التي استهدفت زعزعة أمن المملكة- على توجيه ضربات جديدة للإرهاب والإرهابيين وأهدافهم الإجرامية.