تعلمنا من عصور القدماء أن «قرع الطبول» تعبير عن فرحة الانتصار وعلامة من علامات البهجة والسرور؛ إلا أنها أيضاً كانت تستخدم كإشارة إلى أن خطراً يلوح في الأفق آت على الحاضرين، سواء من قرية قريبة أو جيش غريب معتد أثيم، وكلما اشتدت «أصوات الطبول» أصبح الخطر قريباً، هاجماً، مكتسحاً غير آبه لطفل رضيع أو لكبير على العكاز يسير.
الأمر الذي يدفع كل من بها يعيش إلى أن يأخذ كل ما بمقدوره من الوقائيات والتدابير، كيف لا؟ والروح أغلى من الكنز الدفين؟!
والجميع يقف صفاً واحداً، متضامنين، متحدين، يؤازر بعضهم بعضاً ضد أي عدوان يريد أن يفتك بأي من الساكنين.
أما اليوم فأصبحت أصوات الطبول المهددة بالخطر تقرع في بيوتنا قبل شوارعنا، الإنذارات تهب علينا من كل حدب وصوب، والتنبيهات تصدر بكل النغمات، والإخطارات ترسل بكل اللغات، ولم تستثن حتى الأصم والأبكم من كان بلغة الإشارة يعي، يستدرك ويستنير. فلننظر إلى أنفسنا ونحن متسمرون أمام شاشات التلفاز لا نسمع فقط أصوات الطبول وإنما نراها بأم أعيننا، ونشاهد مصير الأمم التي تُذبح كل يوم بنيران الغدر وكأنهم غوغاء الجراد، يركب بعضهم بعضاً، كذلك الناس الذين يذبحون ويقتلون كل يوم والذين أصبح من الصعب إحصاؤهم لكثرة تعدادهم. الكل خائف لا يعلم كيف سيكون مصيره ومصير أهله ومن حوله. الجميع بات في خطر ونحن لا نزال نسمع أفواه المحرضين من رجال الدين في التغرير بشباب هذه البلاد ودفعهم لحمل السلاح بوجوه أهليهم بدل ما تكون بوجه من نهب الأرض وسلب الأمن وانتهك الحرمات.
فماذا ننتظر؟ وما هي الخطة الموضوعة لدرء دماء العباد التي باتت تقتل على أيدي من يعتبرون أنفسهم من الزهاد ويشرعون بشريعة الغاب ويجوبون الصخر والواد والسهل والصحاري، فالموضوع أكبر من التحدث عن طائفتين أو مجموعة من الطوائف أو مذاهب أو أديان.. وعن الشعارات الرنانة وكلمات الألفة والمحبة وكأننا نعيش في المدينة الفاضلة. فالناس يعون تماماً لما يدور من حولهم، واستيقظوا من السبات الذي كانوا هائمين به، وتعلموا جيداً ماذا عليهم أن يفعلوا، ولكن للأسف ليس بيدهم زمام القوة والتغيير، فهم صغار مهما كبروا، وضعاف طالما أنهم واقفون لوحدهم لا يجدون من يساندهم بصدق وإنما يتم استخدامهم كدروع بشرية لتحمى المصالح الشخصية الموزعة في أرجاء المعمورة.
فهل يعقل أننا بتنا مدمنين قرع الطبول وصدئت آذاننا لصيحات وآهات الناس وتبلدت مشاعرنا وقست قلوبنا لما نشاهده ونسمعه كل يوم وليلة.
ولمواجهة مثل هذه الأخطار الداهمة لابد من تقوية الجبهة الداخلية ورص الصفوف والابتعاد عن الطائفية البغضية.
وصدق الشاعر حينما قال:
يازارع الفتنـــه ياويلك مــــن النـــــار
نارٍ تلظـــى تحرقــــك فــــــي ســناها
فرقت خلــــق الله بشــــينات الأخبـــــار
بالكـــذب والبهتــــان تســـعى وراهــــا
قلبك حقـــود وطبعــك انجس من الفار
ودك تخلــــي النـــاس تكثــــر أعــداهـــا