من هنا يأتي التعايش بين أبناء البشرية قاطبة، حينما تكون الرحمة والإنسانية هي الحاضرة في القلوب، هذا ما جسدته المبادرة التي أطلقتها إحدى الشركات الشبابية وعملت بصمت دون أي بهرجة إعلامية، لأن العمل الذي قام به هؤلاء الشباب ينطلق من التراحم بين المسلمين بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق. هذه المبادة هي إفطار الصائمين من العمالة الآسيوية ومشاركتهم في تناول المائدة مع أذان المغرب، بل ويقوم الشباب من إعلاميين وناشطين مأجورين بإذن الله بأنفسهم من تقديم الوجبات وحتى تنظيف مكان الإفطار لكل عامل كان يعمل طوال اليوم وعلامات التعب بادية عليه، ولكنه حين يرى هذا التكافل والتعاضد من أهل البحرين الذين ضرب الشباب أروع الأمثلة في تجسيد صورة المحبة بين المسلمين انطلاقاً من قول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ?مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
هذه المبادرة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة بلاشك؛ فشباب البحرين فيهم خير كثير في مجال العمل التطوعي بكافة أشكاله وصوره في إغاثة الملهوف ونصرة المضطر سواء داخل المملكة أو خارجها، وفي شهر رمضان تزداد شعلة الخير والرحمة طلباً في رضا الله والتقرب إليه بالأعمال الصالحة. فهؤلاء الشباب فضلوا الإفطار مع العمالة على مائدة واحدة بعيداً عن عوائلهم وأخذوا على عاتقهم القيام به طيلة أيام الشهر الفضيل، والذي سيعزز حتماً من أواصر التقارب بين أفراد المجتمع الواحد، وهي لفتة كريمة وجميلة نتمنى من الدولة ومؤسسات المجتمع المدني أن تشجع مثل هذه المبادرات التي تنمي المسؤولية المجتمعية تجاه من نعيش معهم في مجتمع واحد وإن كانوا ليسوا من بني جلدتنا فهم إخوتنا في الدين.
فالرحمة هي نبض الحياة كالماء تماماً الذي لا يمكن الاستغناء عنه في يومنا. ومن هنا لابد أن يتم غرس هذا الخلق ليكون أساساً ثابتاً لدى الشباب والناشئة منذ نعومة أظافرهم ليصبح متأصلاً في النفس، وهذا هو الهدف الأسمى والغاية العظمى لديننا الإسلامي الحنيف الذي يدعو دائماً إلى الرحمة، فالعامل في الشارع، خصوصاً في مثل هذه الأيام من فصل الصيف التي نعيشها من لهيب الشمس الحارقة وفي شهر رمضان، لابد من أن تكون هذه الرحمة حاضرة في قلوبنا تجاه هؤلاء العمال الذين تركوا بلادهم للحاجة إلى العمل والصبر على الظروف التي أجبرتهم للعمل من أجل من يعولون، وبالتالي فإن مبادرة كالتي قام بها هؤلاء الشباب جديرة بالاهتمام وتسليط الضوء عليها لتكون نموذجاً يحتذى به ليضرب أسمى وأروع صور التكافل والرحمة والمحبة التي حثنا عليها الله تعالى ورسوله صلي الله عليه وسلم.
وهنا ومثلما بادر هؤلاء الشباب في إفطار الصائمين من العمالة الآسيوية نتمنى أن يبادر أحد الوزراء بمشاركة هذه العمالة الإفطار ويستشعر معاني المحبة والتكافل بين المسلمين، وهي حقيقة خطوة تدل على رقي وسمو وتواضع هذا الوزير إذا ما بادر من نفسه ليشجع غيره من المسؤولين الكبار بأن ينزلوا إلى مستوى هذه الفئة من الناس الكادحين وليحس بمعاناتهم في هذا الشهر الفضيل، ونحن على ثقة بالمسؤولين لدينا في الدولة وعلى مستوى بعض الوزراء بأن نراهم يوماً على مأدبة الإفطار مع البسطاء من الناس، فمن تواضع لله رفعه.
- همسة..
قال رسولنا الكريم (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين)، وللرحمة طريق واحد ألا وهي تلك الرحمة التي نتراحم بها فيما بيننا من باب (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)!