قصة جديدة برزت إلى السطح؛ تحذيرات الحكومة والإجراءات المقترحة بغية منع حصول ما لا يحمد عقباه وحماية مرتادي دور العبادة إثر التفجيرات التي حدثت في السعودية والكويت وأسفرت عن عشرات الضحايا ومئات الجرحى؛ فهمها البعض على أنها «فرصة لتخويف الناس كي يطلبوا الحماية من الحكومة، وفرصة لا تعوض لسيطرة الحكومة على مساجد الشيعة والحسينيات» (وكأن الحكومة لو أرادت كل ذلك قبل هذا ما استطاعت!).
لهذا اهتم البعض -خصوصاً من اختار البقاء في الخارج- بالدعوة إلى رفض «نصيحة» الأوقاف الجعفرية الاكتفاء هذا العام بإقامة مراسم عزاء ذكرى استشهاد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في داخل المآتم تحسباً لأي فعل شرير، فهذا البعض اعتبر أن الأمر لا يعدو «حيلة» للبدء في مرحلة منع خروج المواكب الحسينية إلى الشوارع والتضييق على المعزين وحصر العزاء بين أربعة جدران، وصولاً إلى «تذويب قضية الإمام الحسين وحرمان الشيعة من التعبير عن حبهم لسيد الشهداء»!
تفكير لا علاقة له بالمنطق ولا بالواقع، ولو أن الحكومة لم تبادر بطرح مثل هذه الأفكار لقالوا إنها تميز بين مواطنيها حسب مذاهبهم، وإنها لا يهمها إن تعرض هؤلاء للأذى بسبب التطرف، وإنها لم تكلف نفسها حتى بالاقتراح عليهم التوقف عن الخروج في مواكب العزاء في الشوارع هذا العام استثناء ولم تنصحهم، تماماً مثلما لو أن الحكومة لم تضع كاميرات مراقبة عند المساجد والحسينيات، أي أن الحكومة ملامة في كلا الحالتين؛ إن لم تضع الكاميرات قالوا إنه لا يهمها هذه الفئة من مواطنيها، وإن وضعتها قالوا إنها تريد أن تراقبهم لتضيق عليهم وإنها تخوفهم بداعش بغية أن تتاح لها هذه الفرصة!
البيان الذي أصدرته الأوقاف الجعفرية واضح لا لبس فيه، ولا يتضمن بين سطوره أي «حيلة»، فهو يؤكد على أن «البحرين تميزت منذ القدم بأجواء الحريات الدينية، واعتاد أبناؤها على إحياء الشعائر الدينية ومناسبات النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه) وأهل بيته (عليهم السلام) في أجواء من الأمن والأمان والحرية والتسامح»، كما يبين أن الأوقاف الجعفرية «حريصة على بذل أقصى الجهود لتكفل للمواطنين استمرار ممارسة شعائرهم على نحو اعتيادي طبقاً للتقاليد والعادات المرعية»، لكنها وبسبب «التطورات الأخيرة في عدد من الدول الشقيقة المجاورة» وجدت أن الظروف «تحتم على الجميع اتخاذ تدابير احترازية، وبصفة استثنائية، لحماية المشاركين بإحياء هذه الشعائر»، وهذا يعني أنها مجرد ناصح أمين، وأنها «تحث» إدارات المآتم والحسينيات على اقتصار مواكب العزاء في إحياء ذكرى وفاة الأمام علي داخل المآتم والحسينيات.. وبصفة استثنائية.. هذا العام فقط، كي تتوفر حالة الاطمئان والأمان المطلوبة.
هي نصيحة، عدم الأخذ بها من قبل المعنيين من شأنها أن تعرض الوطن والمواطنين والمقيمين والزائرين للخطر، ففي مثل هذا الوضع يمكن لمتطرف حاقد أن يتسلل بين الجموع وينفذ عملية انتحارية، كالتي تم تنفيذها في ثلاثة مساجد في السعودية والكويت، أو يقوم بوضع سيارة مفخخة في مكان يضمن انفجارها فيه سقوط عدد كبير من الضحايا ومن ثم إدخال البلاد في حالة لا تستحقها ولا يتمناها لها إلا أعداؤها.
سعي البعض إلى تحريض المواطنين على الخروج بموكب العزاء في هذه المناسبة التي تستمر ثلاثة أيام إلى الشوارع والقول إن «المواكب ستخرج في الشارع شاء من شاء وأبى من أبى» يحتاج إلى ردع من قبل الحكماء قبل الحكومة، لأنه يشبه الدعوة إلى أن «نطز أعيننا بأصابعنا»، ذلك أنه لا يوجد ما يضمن عدم حصول فعل مشابه لذاك الفعل، خصوصا في ظل التهديدات التي تتزايد والوعيد الذي لا يتوقف