جميل أن نوظف القواسم المشتركة بين المذاهب الطوائف والنحل والملل والأعراق والإثنيات في البلد الواحد لتعزيز اللحمة الوطنية، ومنها تلك اللحظات العاطفية المشتركة التي تجمع كل هذه الأطياف كالشعور المشترك بالخطر، هذه واحدة من «الموحدات» التي تضم كافة الأطياف ومن الجيد توظيفها، مشكلة هذه «الموحدات» فقط أنها وقتية ومرتبطة بظرف معين تزول بزوال المؤثر، أي تزول بزوال الظرف، وفي حال زوال خطر تهديدات داعش ستبرز مرة أخرى أسباب الانقسام من جديد. أزيدكم من الشعر بيتاً؛ في لحظة الميثاق ظننا أن إخلاء السجون وتبييضها والعفو العام حتى عمن صدرت بحقه أحكام مؤبدة وعودة المنفيين ومنح الجنسية البحرينية للبدون، ومن ثم توجهنا إلى الميثاق معاً بكل أطيافنا المذهبية والدينية والعرقية عام 2001 واحدة من أقوى الفرص التي منحت لهذا الشعب ليقف أخيراً في لحظة تاريخية على أرضية مشتركة تجمعه سيحتكم فيها أخيراً لمرجعية موحدة يقبل بها حكماً، أرضية ثابتة راسخة لا تزول بزوال المؤثر ولا تخضع لمؤثر خارجي، فإن كانت هذه اللحظة ذابت واختفت بعد عشر سنوات وانقلبوا عليها وعدنا إلى ما كنا عليه قبلها تزدحم السجون وبعضنا في المنافي وعدنا للمطالبة بالعفو والعودة إلى الحوار و.. و.. و..، وكأنّ صلحاً لم يحدث وكأنّ قسماً على احترام الميثاق والدستور لم يكن، فإن كان القسم وذلك التصويت وهو قسم ووعد وحنث قد تم الإخلال به ونكثه، هل ستجعلنا صلاة جمعة نقف على أرضية مشتركة؟
ليس لدى السنة مشكلة مع البوذي والهندوسي والبهري والبهائي والمسيحي واليهودي ولا مع الشيعي كمعتقدات، ولم يكن الاختلاف بين هذه الملل والمذاهب سبباً للمشكلة حتى نبحث عن التقريب بينها، في البحرين كان الجميع ومازال يجد طريقه كما يشاء إلى ربه في هذا البلد بحرية تامة، هكذا كانت البحرين طوال تاريخها وطوال فترة الحكم الخليفي المدني تمتع كل أصحاب الديانات بكامل حرياتهم بنوا مساجدهم ومآتمهم ومعابدهم وكنائسهم ومارسوا طقوسهم والجميع تعايش بسلام مع اختلاف المعتقدات، ليس التشيع وليد الأمس ولا التسنن وليد اليوم، ولا المسيحيون وجدوا بالأمس ولا اليهود، ولم يشتك أصحاب أي ديانة من أي تقييد على ممارساتهم لمعتقداتهم، القانون وحد الجميع وأهم بنوده عدم ازدراء وعدم امتهان معتقدات الآخر، حمت هذه المدنية وتلك المنظومة التشريعية وفطرة أهل البحرين أهل جميع الأديان والمذاهب والملل، لذلك لم يكن الاختلاف المذهبي سبباً للفرقة والانقسام. وسنبقى كذلك كلا بمذهبه وبمعتقده وبدينه لا نحتاج إلى من (يقرب) بينها كمعتقدات حتى يزول الانقسام وتزول الفرقة وتعود البحرين كما كانت، ما نحتاجه هو أن نقبل بلا استثناء أن نقف جميعنا على أرضية مشتركة نقبل بها حكماً بيننا في حال اختلفنا مع بعضنا أو مع السلطة وهي (الدستور والقانون) وتتطلب عملية القبول بهذه المرجعية أن نلغي ما دونها وما قبلها من مرجعيات دينية فهل نقدر على ذلك؟
فلا يكون قرارنا رهناً بمرجعية دينية أجنبية تأمر وتطاع؛ تأمرنا بالنكث بوعودنا وبالتنصل من تصويتنا وبرفض المبادرات الحوارية وبرفض القوانين أو بقبولها وباعتماد القوائم الانتخابية وبتسويق الإرهاب على أنه نضال وجهاد ديني وتمجيده والتحريض عليه وعدم الاعتراف بالدولة والعمل على إسقاطها والارتهان لأجندات أجنبية وتجاوز وكسر القوانين المحلية، هل نقدر على ذلك؟
هذه المرجعيات لم ينفع معها صلاة مشتركة جرت في أكثر من موقع وأكثر من مرة، ولم ينفع معها عفو متكرر ولن ينفع معها أي من المعالجات اللحظية العاطفية، فقد زاروها وقبلوها على رأسها واستمالوها وتركوا لها الحبل على الغارب في دعوتها وعملها دون مضايقات، وكان لهم الحشيمة والكرامة و... وسم ما شئت من هذه المقترحات التي تطرحها المبادرات النبيلة الناعمة الوردية حسنة النية الآن، والتي تبدو وكأنها تخترع العجلة، إنما كلها قد جربت من قبل ولم تفلح في ثني هذه المرجعيات عن مشروعها في إقامة دولة دينية يساعدها جناح سياسي وجناح إعلامي يسوق لها ويسوق لنا هذه المبادرات المتكررة من جديد كي يعاد السيناريو الممل مرة أخرى، ومشكلة من يقود هذه المبادرات أنه لم يقرأ التسعينات جيداً ولم يقرأ الثمانينات ولم يبحث في خلفية من هو شيرازي ومن هو خط الإمام وما هي دولة الجور ودولة العدل ومن هو هادي المدرسي بل من هو جعفر العلوي وقد أتى من بعدهم. لذا ستظل الأزمات تتكرر إن لم يع القائمون على «الدولة» هذه الحقيقة ويكفوا عن اجترار التجارب واستنساخها المرة تلو الأخرى، فقد جربنا كل شيء بما فيها الصلاة المشتركة، لهذا لنصلّ الجمعة القادمة صلاتنا المشتركة لا بأس.. ولنحتفِ بهذا النصر المؤزر لا بأس.. لكن العيش بأمان وسلام لن يتحقق بهذه الصلاة المشتركة، الأمن والسلام يتطلبان أن نرضخ جميعنا للدستور والقانون، الحل أن نرضخ للدولة وتفرض الدولة مقوماتها وتطبق القانون على الجميع بلا استثناء وبلا اعتبارات للسلفي أو الإخواني أو الشيرازي أو الإمامي أو غيرهم، الأمن والعيش بسلام سيتحقق حين تمنع الدولة بالقانون رجال الدين من العمل بالسياسة منعاً تاماً (ما لم يتخل رجل الدين عن الخطابة في دور العبادة ويعود مواطناً عادياً) ولنبق كما نحن سنة أو شيعة أو سلفيين أو ولائيين شيرازيين إخوانيين أو علمانيين أو مسيحيين أو.. أو..، فهذه التعددية العقائدية للإنسان بينه وبين ربه لا شأن لنا بها كمواطنين ولا يحق لأحد أن يتدخل فيها، ولن تحول بين عيشنا المشترك، وليصلّ كل منا بمسجده أو في بيته أو لا يصلي لا شأن لنا به، ما يعنينا هو أن تفرض الدولة قانونها المشترك ودستورها المشترك على الجميع وبلا هوادة ولا تراجع ولا عفو ولا نكوص.
الدولة (بدستورها وقانونها) هي قاسمنا المشترك على هذه الأرض وليست الصلاة قاسمنا المشترك، الدولة لنا جميعاً مسلمين وغير مسلمين، كلنا على هذه الأرض حين نحترم الدستور والقانون لبعضنا البعض، أما صلاتنا فلله وحده فليصلّ كل منا كما يشاء «فأينما تولوا فثم وجه الله» صدق الله العظيم.