إن إشاعة وتعزيز ثقافة الاختلاف على جميع المستويات «الفكري، الأيديولوجي، الديني.. ألخ»  أصبح أمراً في غاية الضرورة، حيث إن تقبل الآخر «أياً كان معتقده أو فكره أو لونه أو جنسه أو دينه» هو بمثابة الشراكة الحقيقة لبناء الأوطان.
ولو رجعنا تاريخياً إلى بناء الدولة الحديثة في مملكة البحرين فسنجد أن «العديد» شارك في تأسيسها، وهي لست نتاج فئة أو نوع واحد فقط، بل إن من الأمور المهمة في بناء الدولة الحديثة هو «مشاركة» مختلف الأطياف في تأسيس وبناء الدولة التي تحتضننا جميعاً. ولكن تظل هناك عقول لا تتقبل الاختلاف وتسعى جاهدة لإقصاء الآخرين بحجة الاختلاف. عن نفسي لا أقلق مطلقاً من الأفكار العفنة متى ما حملها عقل «متواضع»، فالجاهل معذور، ولكني بالفعل لا أتحمل أن أرى مثقفاً أفكاره عفنة وكلامه ملوث. أو قائد رأي أفكاره مسمومة!! وها نحن نشهد من حوالنا العديد من الكتاب والمثقفين والعلماء من دعاة الحقد الذين يحقنون مجتمعاتنا بجرعات زائدة من «الطائفية والتعصب».
معظمنا إذا لم يكن جميعنا يدعي بأنه غير طائفي، ولكن الحقيقة مختلفة تماماً، ولكني أؤمن بأن الحديث الطائفي يشبه الكلام البذيء الذي يجب على كل شخص محترم أن يخشى أن يتفوه به.
لكننا نأسف لوجود مثقفين أفكارهم ملوثة وكلامهم طائفي، فتتكلم معه بحسرة مثلاً عما يحدث في بعض دول الخليج فيردد «بسخافة» إن ما يحدث هو رد فعل طبيعي لما يجري من قتل طائفة معينة في سوريا والعراق!! تحدثه بأننا جميعاً «الخاسرون» إذا ما ألمت بأوطاننا أي أزمة، فيرد عليك يجب علينا أن نعد العدة لقتال من ينوون شراً بنا وبأوطاننا. تحدثه عن وضع استراتيجيات للم الشمل وتوحيد الصفوف، فيكسر عزمك بحجة أن الطرف الآخر لا يقبل المصالحة. وتحدث قسماً آخر منهم فيرجع الأسباب إلى تراخي الدولة وتراخي وزارة الداخلية في ضبط الأمن!
هل تراخت الدولة فعلاً؟ وهل قصرت وزارة الداخلية؟
تبذل الدولة الكثير من المساعي من أجل أن تنبذ الطائفية وتوحد الصفوف، فقياداتنا تدعونا دائماً لنبذ الطائفية وتقبل الآخر، وسن نهج «التعايش» كما أن وزارة الداخلية تلعب دوراً كبيراً في حفظ الأمن رغم كل الظروف التي نمر بها وتسعى جاهدة أن نعيش جميعنا في أمن وسلام، وهي لا تختصر الأمن لفئة دون فئة أو على منطقة دون أخرى، ولا تدخر جهداً في القيام بأدوارها المتعددة التي تقوم بها في الحفاظ على الأمن والسلم المجتمعي.
وها هي «داعش» البعبع الجديد يطل علينا ليهدد أمن أوطاننا التي مزقتها الفرقة والطائفية، فهل سنسمح لهم بالتوغل في مجتمعاتنا والنيل منا؟
إنه ليس دور الدولة ولا دور وزارة الداخلية أو دور وزارة الدفاع فقط، إنه دورنا نحن.. دوري أنا وأنت..  لكي نحمي أنفسنا ومجتمعنا من هذا الخطر الكبير. فلا نكن دعاة للحقد ولا يجب علينا أن نسمح لداعش بتصدير صناعة الخوف لنا. فمتى ما اتحدنا ستصبح مجتمعاتنا عصية على أي حركة أو تنظيم أو فكر متطرف!! فلن يركب أحد على ظهرك إلا إذا انحنيت.. فيجب علينا ألا ننحني وأن نترك لداعش أو غيرها من الحركات والتنظيمات الإرهابية فرصة لتشتيتنا وتمزيق دولنا ومجتمعاتنا.
لقد اختلفنا على مدى عقود طويلة على أمور كثيرة، وضاعت جهودنا في سبيل أن تقنع كل فئة الفئة الأخرى أنها على صواب!! وتناسينا أن الدين لله والوطن للجميع.
ورُبَ محنة تؤدي إلى منحة، فلنستغل الوضع الراهن، ونضع أيدينا جميعاً بأيدي بعض رغم جميع اختلافاتنا الفكرية والعقائدية والدينية، فأي خطر يحل بنا لن يراعي هذه الاختلافات ولن ينتبه لها، فسيف داعش لن يفرق بين أفكارنا ولا مذاهبنا ولا أيديولوجيتنا ولا أصلنا ولا فصلنا فلكلنا بالنسبة لداعش يستحق الموت.
فليغلق كل الأفراد الطائفيين أو من لا يؤمنون بثقافة الاختلاف ولا يريدون أن يتقبلوا الآخرين أفواههم فلقد سئمنا رائحتها العفنة. ولنركز جميعاً على المصالحة والمشاركة لبناء وطن قوي عصي على أي حركة أو قوة خارجية.