طالما أن التعبير عن التعاطف مع شخص أو مجموعة أو حدث لا يكون إلا بحرق الإطارات في الشوارع بعد اختطافها ورمي رجال الأمن وسياراتهم بالزجاجات الحارقة وتعطيل حياة الناس وإرباكها وتعريضهم للخطر من دون مراعاة حتى لشهر الله، فالأكيد أن مسألة رفض كل ما يأتي من الآخر -أياً كان- ستستمر طالما أن ما يأتي به ذلك الآخر لا يطابق فكر أصحاب هذه العقلية، حتى لو شهد العالم كله بأنه صحيح وطيب ومنطقي وعقلاني ومهم ومفيد ويخدمهم قبل أن يخدم غيرهم.
هذه إشكالية كبيرة ينبغي أن تحصل على ما يكفيها من اهتمام من قبل كل من يهمه أمر هذا الوطن، لأنه من دون إيجاد حل لهذه الإشكالية سيستمر أصحاب هذه العقلية في التعبير عن مواقفهم بهذه الطريقة المؤذية وسيستمرون في رفضهم لكل ما يأتي من الآخر، وخصوصاً من الحكومة أو ممن يعتبرونه من رجالها أو محسوباً عليها أو يشك في أنه يقول عن صحها إنه صح.
كمثال على هذا، موقف أصحاب هذه العقلية من الكاميرات التي بدأت وزارة الداخلية في تثبيتها على بعض المساجد كأحد أدوات توفير الإحساس بالأمن والأمان للمصلين وتضييق الخناق على كل من تسول له نفسه القيام بعمل إرهابي ضد المساجد والمصلين، ومنع تكرار ما حدث في السعودية والكويت أخيراً، حيث أوصلهم فكرهم الضيق إلى الجزم بأن وزارة الداخلية تستغل الفرصة لمراقبة كل المنطقة التي يوجد فيها المسجد، وأن الدليل على ذلك هو انتشار معلومة عن أن تلك الكاميرات مرتبطة بـ «سيرفرات» متوفرة في مبنى وزارة الداخلية، وبالتالي تضييق الخناق على مختلف الأنشطة المناوئة للحكومة التي سيصير لها عيون إلكترونية إضافة إلى العيون البشرية التي يعتقدون أنها تتعاون مع الأمن وتنتشر في القرى على وجه الخصوص.
ورغم قناعة أصحاب هذه العقلية بأن لهذه الكاميرات فائدة كبيرة في حماية المصلين وتصعيب مهمة الإرهابيين الذين يستغلون المساجد لإحداث الفتنة الطائفية وإدخال البلاد في دورة عنف وفوضى، إلا أنهم استمروا في التشكيك في الهدف منها، بل إن بعضهم وصل إلى حد التحريض على إتلافها وحرقها، وهو ما يتوقع أن يحدث في الفترة المقبلة لو استمرت سيطرة هذه العقلية في قيادة «شارع المعارضة»، الأمر الذي سيؤدي إلى توفير الثغرات التي يحتاجها الإرهابيون، خصوصاً وأن هذا «الشارع» دون القدرة على توفير حالة الأمن المطلوبة ودون القدرة على تحمل المسؤولية، عدا أن أمراً كهذا لا يمكن الركون فيه إلى غير المعنيين به وهم رجال الأمن وخبراؤه.
هذا الواقع يكشف إخفاق الجمعيات السياسية التي تمتلك التجربة والخبرة في العمل السياسي في التحكم في من يفتقر إلى التجربة والخبرة في هذا المجال، ويؤكد أن أصحاب هذه العقلية هم المتحكمون في الجمعيات السياسية التي لم تكلف نفسها حتى التعليق على هذا الموقف السلبي من إجراء يستفيد منه الجميع ويكفيهم ويكفي البلاد شيئاً من شر الإرهابيين الذين يبحثون عن مثل هذه الثغرات لينفذوا ما يعتقدون أنه أول الطريق إلى الجنة ولقاء الحور العين.
ما يرمي إليه أصحاب هذه العقلية واضح ومعلوم، وهو أن تدعهم الحكومة يتكفلون بأمر حماية أنفسهم بأنفسهم، وهذا أمر غير ممكن أبداً لأنه يعني إيجاد دولة داخل الدولة، تماماً مثلما هو الحال في لبنان مع حزب الله الذي يقوم بهذه المهام بنفسه، ووصل إلى حد أن يمنع أجهزة الدولة حتى من الدخول إلى المناطق التي تدخل ضمن «جمهوريته» التي تتيح قوانينها له الاستقواء بالخارج.
مثل هذا الأمر لا يمكن أن يحدث في البحرين، حيث الحكومة قادرة على توفير الأمن للجميع، ولديها ما يكفي من أسباب تكفيها شر الدخول في هذا الدرب.