حمى الله المصلحين الذين يسعون في سبيل رأب الصدع والتقارب بين أطياف أهل السنة والجماعة وإخوانهم من الطائفة الشيعية، ولا أدام المتلونين الذين ينشطون وقت الحاجة ويظهرون وقت «العازة» ويتلونون حسب الأهواء والمصالح الشخصية؛ وما أكثر هؤلاء المتلونين اليوم في زماننا، ولكل واحد منهم أكثر من وجه وأكثر من قناع!
قد يظن بعض من يقرأ هذا الكلام أنني من المعادين للتقارب بين أطياف المجتمع أو من الكارهين للصلاة الجامعة، والحقيقة أن هذا غير صحيح، وليس لإنسان تربى على نبذ الطائفية أن يعارض من حيث المبدأ التقارب من أي نوع، رغم تحفظي الشديد، لأني في الأساس لا أرى أي خلاف أو تباعد بين المكونين، وكل ما هناك خلاف «سني وشيعي» ضد جماعة الوفاق والتي أرادت أن تختطف البلاد.
أتعجب لأنه لا شيء أملكه وأمثالي غير التعجب، فالبعض مندفع ولا يدري أن اندفاعه المتهور قد يمعن في ظلم أكبر على المظلوم ويقدم -على طبق من ذهب- الحجة للمخطئ للتمادي أكثر في خطئه، مما قد يسبب لنا انزلاق «بسيوني» جديد.
لا يا سادة؛ محاولة إيهام العالم بأن البحرينيين يعيشون خلافاً سنياً شيعياً وفتنة طائفية خطأ وأكبر خطأ، وهو المبتغى والهدف الذي كانت ترمي إليه الوفاق منذ أول يوم لجريمتها، وطوق النجاة الذي سيساعد الوفاق للإفلات من العقاب للإقرار بأخطائها وذنوبها، وهي الوسيلة التي من خلالها تحاول قيادتها أن تهرب مما وضعت نفسها فيه.
لنكن واضحين، ما حدث إبان 14 فبراير 2011 ليس «عركة» بين بزران يلعبون في «زنقة»، فعلق الكبار في «العركة» وتوسعت فجوة الخلاف، ما حدث في واقع الأمر هو جريمة، وفي العرف والتشريع القانوني، وحتى السكسوني، تسمى «تآمر لقلب نظام الحكم» سقطت من جرائه ضحايا وسالت بسببه دماء، وقد ضاقت مساحة المقال عن نقل قائمة الجرائم والفظاعات الثابتة التي سجلتها الوفاق آنذاك.
طبعاً يمكننا الآن أن نضيف إليه أطناناً من الجرائم الجديدة والتي تظهر وتكشف كل يوم.
جل ما نحتاجه تحديداً إقرار واعتراف من الوفاق بأخطائها وكل جرائمها، فحتى نفتح صفحة جديدة علينا أولاً أن نغلق الصفحة القديمة ولا نتركها معلقة، فمازلنا حتى الساعة نتعثر في تنظيف الوطن من ركام ذكرى 14 فبراير الأليمة بسبب تعليق الصفحة القديمة.
ولأن وبمنتهى الصراحة وحتى لحظة قراءة هذا المقال، مازلت أرى أن الوفاق لم تبد أي ملامح أسف، ولم تسع إلى تصحيح أخطائها أو تندم على خطاياها أو تعالج مرضها، بل على العكس؛ هذه الجماعة تنكر أخطاءها وتتمعن في الغي والبغي.
هذا هو الأساس؛ أما من يجهل معنى التقارب ويتحرق شوقاً لمشاهدة «آيات» من التقارب بين السنة والشيعة، فليحضر إلى المحرق فسيجد فيها ما لا يجده في منطقته. اهبطوا من عليائكم واتركوا عنكم قصوركم ومجالسكم العاجية وزوروا مجالس الطيبين في «أم المدن» لتشاهدوا كيف يجتمع السني والشيعي على سفرة واحدة «الغبقة» في أحد المجالس الرمضانية، وكيف يجمعهم رواق مجلس واحد وفنجان قهوة و»تمرة»، دون تفرقة أو تميز، فهنا القلوب متجمعة قبل فكرة الصلاة الجامعة.
على كل حال؛ مازالت هناك فرصة لتصحيح الخطأ، ومازالت أمامكم الفرصة مواتية، ومازال في رمضان بقايا أيام، وحتى بعد رمضان مجالس المحرق مفتوحة، هذا في حال صدقت النوايا، أما الاستمرار في الخطأ فهو كمن يحاول أن يسبح في مستنقع الأوهام.