^ من يتابع تطورات الأحداث في دولة الإمارات العربية المتحدة يدرك جيداً أن هناك حراكاً غير عادي، وقبل ذلك تتكون لديه رؤية بأن هناك اهتماماً كبيراً بمواجهة التحديات الداخلية والإقليمية والدولية التي تواجه الدولة الإماراتية. وهي تحديات ليست بمعزل تماماً عن تلك التي تواجه بقية بلدان مجلس التعاون الخليجي منذ فترة طويلة. أيضاً يلاحظ أن أبوظبي أعلنت إغلاق كافة المكاتب للمؤسسات الأجنبية وتحديداً الأوروبية والأمريكية منها التي تحولت إلى مكاتب «مشبوهة» بعد ظهور الربيع العربي. ومن الأسماء المعلنة لهذه المنظمات تلك التي تحدثت عنها في كتابي الجديد (حرب اللاعنف في البحرين) المعهد الوطني الديمقراطي للشؤون الدولية، وقبله مؤسسة كونراد آديناور الألمانية. مثل هذه المكاتب تعد تمثيلاً للعديد من المؤسسات الإقليمية والدولية، ورغم سمعة بعضها، إلا أن الأحداث التي شهدتها المنطقة أثبتت بشكل مكشوف أنها واجهات رائعة وممتازة لدعم الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكذلك التحول الديمقراطي في بلدان مجلس التعاون الخليجي، والدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة. طبعاً من يتعرف على أنشطة هذه المؤسسات لا يمكن أن يختلف معها في ضرورة الاستفادة من خبراتها، ولكن عندما تبدأ أنشطتها في أحد المجتمعات الخليجية تتحول المسألة إلى ممارسات مشبوهة، وتدخلات واضحة في الشؤون المحلية. وهو ما يذكرنا بإحدى المؤسسات الأمريكية التي كان لها نشاط واسع في المنامة قبل سنوات، وعندما أعلنت اهتمامها بفئة الشباب أطلقت سلسلة من الأنشطة والفعاليات التي تركز على النقاش السياسي من دون نتيجة، أو الجدل السياسي، وهو ما أوجد لاحقاً مجموعة من الشباب صارت تطلق على نفسها بأنهم (ناشطين سياسيين، أو ناشطين حقوقيين)، وهؤلاء تحولوا سريعاً في سنوات إلى أشخاص يحترفون الجدل السياسي بعيداً عن المنطق والعقلانية؛ بل هذا الجدل يقوم على التعصب ونفي الآخر وإقصائه وتهميشه، ومنهم عدد كبير ممن قادوا مجاميع شبابية خلال أزمة فبراير 2011. ليست الخطورة بالدرجة الأولى في وجود هذه المنظمات والمؤسسات في بلدان مجلس التعاون الخليجي، بل الخطورة تتمثل فيما تقوم به من أنشطة وجهود وتشكيل علاقات تنظيمية مع شخصيات ومنظمات محلية يمكن أن تستثمر بشكل سلبي مستقبلاً. وتجربة التحول الديمقراطي والإصلاحات السياسية خلال العقد المنصرم أثبتت الدور السلبي والخطر لهذه المنظمات. دولة الإمارات فعلتها واتخذت قراراً بطرد كافة المنظمات المشبوهة، وهو قرار هام وتاريخي، وينبغي ألا تقف بلدان مجلس التعاون الأخرى دون تدخل صريح أمام أدوار مشبوهة لعدد من مؤسسات المجتمع المدني الأمريكية أو الأوروبية. ونتطلع ليوم نرى فيه قراراً خليجياً جماعياً بإنهاء تواجد هذه المؤسسات وإنهاء عملها من بلدان المجلس بعد الأضرار الكبيرة التي لحقت بالأنظمة الخليجية وشعوبها.