مجموعة من الحقائق ذكرها رئيس الوزراء، صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، خلال زياراته إلى المجالس الرمضانية، وتناولها بالشرح، وكانت بمثابة رسائل إلى المعنيين كي يقوم كل بمسؤولياته وكي تتضافر الجهود بغية إصلاح كل خلل. من تلك الرسائل على سبيل المثال قول سموه إن المنابر انحرفت عن مسارها الديني والإرشادي والوسطي واتجهت لدعوات التفرقة والشقاق، واتبع سموه هذا القول ببيان أن الإسلام دين محبة وتآلف وأنه يقرب بين الشعوب ولا يفرقها، وأن المساجد أماكن للعبادة ومنابرها منطلقات للوعظ والإرشاد والتفقه في الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هذا الموضوع تحديداً يهتم سموه ببيانه في مجلسه الأسبوعي ويوفر في كل مرة ما يؤكد صحة نظرته من أمثلة عن الدور الذي ظل يقوم به رجال الدين من أبناء الطائفتين الكريمتين في السنوات السابقة، والذي كان من نتاجه ترابط هذا الشعب ووحدته ووقوفه صفاً واحداً أمام كل من يريد بالوطن سوءاً. وبالتأكيد فإن هذا أحد أسباب حرص سموه على الإعلاء من شأن رجال الدين والإفساح لهم في مجلسه العامر.
ليس كل معتلي المنابر اليوم حرفوها عن مسارها، ولكن الكثير منهم فعل ذلك، وكان سبباً في إرباك مرتادي المساجد والتأثير سلباً على المجتمع وحراكه. مثل هذا ما كان موجوداً في البحرين حتى فترة قريبة، ولأن الناس في هذه البلاد يحترمون رجال الدين ويجلونهم ويسمعون منهم؛ لذا فإنهم ينظرون إليهم كمعلمين ومرشدين وموجهين وقادة مجتمع؛ ينصحون ويحثون ويدلون على الخير ويبينون للناس «الصح» والخطأ وما يرضي الله وما يتنافى مع الدين.
وهذا بالضبط ما أراد سمو رئيس الوزراء توضيحه بعد أن لاحظ كيف أن هذا الدور تغير واستغل البعض من رجال الدين ممن أقحموا أنفسهم في السياسة هذه المكانة والقدرة على التأثير في الجمهور، فمارسوا دوراً ليس دورهم وحرفوا المنابر عن مسارها الطبيعي، وصاروا بدل أن يوحدوا الناس يفرقونهم، وبدل أن يبينوا لهم طريق الهداية يدلونهم على ما يكون سبباً في الإضرار بوطنهم وبمستقبلهم بل وبدينهم.
هذا الدور الغريب على رجال الدين غريب أيضاً على البحرين وعلى شعب البحرين المسالم بطبعه والرافض لكل ما قد يؤثر على وحدة الصف والمصير ولكل ما قد يضر بالوطن وبالمواطنين.
من يحضر بعض تلك المنابر يلاحظ حجم التحريض الذي يقوم به بعض من يعتليها ممن حصل على فرصة التوجيه والإرشاد، ومن يتابع نشاط بعض أولئك لا يخفى عليه الدور الذي يقوم به خارج المنبر، وهو دور دخيل عليه وعلى مجتمع البحرين، فدور رجل الدين هو المساعدة على توصيل المسلمين إلى الطريق الذي يوصلهم إلى رضا الخالق ونيل الجنة وليس تحريضهم على تحقيق مآرب دنيوية ربما لا يدرك هو نفسه مرامي من تأثر به.
انحراف المنبر عن مساره سبب أساس مما نحن فيه اليوم من مشكلات، ورغم أن بإمكان بعض رجال الدين ممن أقحموا أنفسهم في السياسة تصحيح هذا الخطأ والعودة بدور المنبر إلى ما كان عليه، إلا أنهم لا يقومون بهذا الدور بسبب التأثير الواضح للمساحة التي أقحموا أنفسهم فيها عليهم.
هذا هو الداء الذي شخصه سمو رئيس الوزراء ويراه الجميع، ولكن ما هو الدواء؟ ومن الذي عليه وبإمكانه أن يصفه كي يعود المنبر إلى مساره الصحيح ويمارس دوره الذي حدده الدين الإسلامي ووثق في معتليه ليقوموا به؟
سؤال مهم جوابه أن الطبيب هنا لا يمكن أن يصف دواء واحداً ولكن حزمة أدوية، فهذه المشكلة لا يمكن للحكومة وحدها أن تحلها ولا لعلماء الدين وحدهم ولا المنظمات الإسلامية وحدها أن تفعل ذلك.