متابعة آراء الناس على شبكات التواصل الاجتماعي على اختلاف توجهاتهم تعد قضية جوهرية لرصد الواقع العربي السياسي والاجتماعي، ولبناء أي مشروع للإصلاح الثقافي والسياسي في وطننا العربي. فقبل عدة أعوام استغلت آراء الناس على شبكات التواصل الاجتماعي لتوجيههم نحو أحداث ما سمي بالربيع العربي والتي انتهت إلى كل هذا الدمار والفوضى والتشرذم. وآراؤهم المبثوثة تجاه الأحداث الحالية يمكن للنخب المفكرة في الوطن العربي، إن وجدت، أن تدرسها وتحللها وتبني عليها مقومات جديدة لواقع أفضل.
لاشك أن اتجاه الأحداث التي تعصف بالمنطقة قد وضع الأمة في مأزق بسبب الاستغلال «المدروس» بعناية للدين الإسلامي من قبل الجماعات الإرهابية. موجة العصابات الإجرامية التي سيطرت على أجزاء من العراق وسوريا وليبيا وغيرها أخرجت من بطون كتب التراث الإسلامي الصفراء ثقافة قطع الرؤوس والجواري وأسواق النخاسة والحسبة وأصلتها بالنصوص المقدسة وبشروح وتعليقات العلماء المعتبرين. والمؤسف أن ما روجته الجماعات التكفيرية والإرهابية وما صدرته للعالم من صورة مخيفة عن الدين الإسلامي لم يحظ بعناية «مدروسة وممنهجة» من مراكز البحث الإسلامي ومن المشيخات الرئيسة في العالم الإسلامي. فلم نتلق رداً من علمائنا الأجلاء للشبهات التي يلقيها التكفيريون، ولم تجتمع المجامع الإسلامية لإصدار بيانات وكتيبات ونشر دراسات حول السلوكيات المنحرفة للجماعات الإرهابية التي تزعم أنه من الدين ومن سلوك السلف الصالح. صمت علماؤنا وتركوا العامة يتخبطون في آرائهم.
من أجل ذلك وقع الكثير من الغيارى على الدين الإسلامي في فخ التبرير، وهو أسوأ منطق نتعامل به مع الأخطاء. فصاروا يواجهون ما تروجه وسائل الإعلام عن جرائم الجماعات الإرهابية وأفكارها التكفيرية والرجعية بأنها حملة شعواء تستهدف الإساءة للدين وتشويه صورته النبيلة، وأن ترويج مثل هذه الأخبار هو مؤامرة خارجية على الدين الإسلامي، وأنها تستهدف حصر الإرهاب في طائفة واحدة واتهام فئة كبيرة من المسلمين بالرجعية الفكرية. فتجد بعض الآراء تتوجه بالاتهام لوسائل الإعلام ومن يناقش هذه القضايا من الكتاب وعامة الناس واتهامهم بالمساهمة في نشر الفتنة والخوض في المحظورات. وأحياناً يتسع الجدل ليصب في خانة رفض التعاطف مع بعض متضرري العمليات الإرهابية للجماعات التكفيرية بحجة أنها إن وقعت في جماعة أخرى فلن يتعاطف الطرف المعني معهم أو ألا سبب يدعو للمبالغة في التعاطف لأسباب غير مقنعة. فتتحول المحنة التي تواجهها الأمة في هذا الظرف التاريخي من محنة استغلال الدين إلى فرضية الإساءة للدين وشتان بين القضيتين وكيفية التعامل معهما. وبدل أن نعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة يدخل بعضنا قفص الاتهام مصطحبين معهم الدين الإسلامي وينبري المحامون يدافعون عنهم وعن الإسلام، والمسألة خلاف ذلك تماماً.
ما تعانيه الأمة من سنوات طويلة هو استغلال الدين كمؤثر عاطفي على المسلمين لتحقيق أهداف شخصية لبعض المتكلمين باسم الدين وبصفة «المشيخة» أو من بعض الجماعات بصفة الفرقة الناجية. ولذلك تراجع دور الدين في العقود الأخيرة كمحرك للنهضة وكباعث للانطلاق الحضاري والعلمي والفكري. ارتبط الدين في كثير من الأطروحات التي راجت بين عامة الناس بالزهد في الدنيا والترهيب من الموت والاكتفاء بالزرع في جنان الآخرة، واعتزال الفتن ما ظهر منها وما بطن وقد أضحت كل قضايانا فتنة يتوجب أن نتركها لأهل الحل والعقد ممن نصبوا أنفسهم أوصياء على الأمة. وصاحب كل ذلك تقسيم المسلمين إلى فرق وطوائف تزعم كل واحدة منها أنها الوحيدة التي اقتفت شرعة الإسلام الصحيحة.
وليس الحل أن نتبنى مظلومية الدين الإسلامي بقدر ما ننشر أطروحات تدفع الشبهات التي تلصق بالدين الإسلامي، وأن تتولى المرجعيات المعتبرة في العالم الإسلامي بيان انحراف تلك الجماعات الإرهابية وتدحض خطاباتها ومبرراتها التي مازالت تلقى تعاطفاً من البعض تحت ذريعة الاضطهاد والظلم والتهميش، وأن تسلط الضوء على الدور الحضاري والإنساني للأديان التي تدعو للوحدة والمحبة والتسامح مع المخالفين ودعوتهم بالتي هي أحسن والتواضع في التمسك بالآراء، وعلينا أن نتحرر من الصورة النمطية التي ارتسمت في أذهاننا للدين. فالدين ليس لجلجة وشعارات وضجيجاً، وانتقاد مشايخ أو علماء الدين ليس انتقاداً للدين واستخفافاً به بل هو نقاش ومراجعات لآرائهم الشخصية في فهم النص المقدس. الدين قيم والتزام ومحبة وسلام. وأما الدعوات الأخرى التحريضية والتكفيرية والمشتتة والمشككة فليست من الدين في شيء.