ليس اعتباطياً ولا تلقائياً محاولة «تدعيش» البحرين أي محاولة ربطها قسراً بتنظيم داعش، إنها عملية ممنهجة تترتب عليها تبعات دولية مهمة تصنف السلطات على إثرها تصنيفاً خطيراً يشمل علاقاتها السياسية والأمنية والاقتصادية، وتتم هذه المحاولة الآن مع سبق الإصرار والترصد وتقوم بها شبكة إعلامية مترابطة بحرينية وإقليمية، وما أوردته جريدة الشاهد الكويتية يصب في هذا الاتجاه.
قبل يومين غرد أحد أعضاء الجناح السياسي المقيم في لندن بأن أحد الدبلوماسيين الغربيين سأله هل ستمنع السلطات البحرينية الشيخ (...) من الخطابة؟ في إشارة إلى الاهتمام الغربي بمعرفة موقف السلطات البحرينية من الفكر السلفي.
كما صرح آخر مقيم في دولة أوروبية بأن أول الداعشيين في البحرين كان فرداً من الأسرة الخليفية ظهر عام 1953 في إشارة إلى الفتنة الطائفية التي حدثت في البحرين في ذلك العام، العملية كما قلنا ممنهجة وما تقوم به الصحيفة البحرينية دور مشبوه في هذه المحاولة الخطيرة.
من يعرف البحرين يعرف أن الفكر السلفي عموماً لا يجد له متسعاً اجتماعياً في البحرين، فهو محدود الانتشار منذ عام 2000 إلى اليوم، أي منذ تأسيس جمعية الأصالة ومن قبلها التربية الإسلامية، والأرقام الانتخابية خير دليل على ذلك منذ أول انتخابات إلى آخر انتخابات هي الكتلة ذاتها لم تنجح في اتساع دائرتها، ورغم أنه فكر يناهض الفكر التكفيري ويرفضه، إلا أنه جرى كعرف، إعلامياً ظلماً، أن ينسب إلى التيار السلفي قسراً كل من تجهم وجهه وكل من أطال اللحية وكل من انتمى لداعش بالتالي، نقول فإن كان التيار السلفي بعمومه ظل محصوراً في البحرين بأعداد محدودة لم تزد منذ سنوات فكيف يصور الفكر «الداعشي» على أنه فكر منتشر في البحرين؟ إن هذا الإصرار على تناول كل ما يخص هذا التنظيم في مقالات يومية وفي أخبار مضخمة بل ويروج عن سبق إصرار وترصد على أن السلطة تدعمه سراً لا يمكن أن يكون عفوياً وغير مقصود.
طبعاً هناك بحرينيون انضموا لداعش ذلك ليس سراً، كما حدث في معظم دول العالم بما فيها أوروبا وأمريكا، فهل كل دولة انضم منها أفراد لداعش تعتبر داعمة للتنظيم؟ إنما تصوير الأمر على أنه فكر منتشر وله داعمون رسميون وإعلاميون ذلك كذب وافتراء، وهي المحاولة التي تبذل الماكنة الإعلامية البحرينية والإقليمية جهدها بشكل ممنهج لنشرها دولياً، من أجل تبعاتها وما سيترتب عليها من إعادة للنظام السياسي برمته وإعادة النظر بالتالي في من يناهضه وتصويرهم كما يتم تصوير الميليشيات الشيعية في العراق الآن والميليشيات الحوثية في اليمن الآن، على أنها هي المنقذ الوحيد للعالم من الإرهاب الداعشي، العملية ليست إذاً عشوائية هناك عمل ممنهج ونسيج يغزل.
أما تصوير ما جرى في البحرين على أن سببه كان خلافاً مذهبياً عقائدياً بين سنة وشيعة وأن المبادرات يجب أن تتركز في محاربة هؤلاء المتطرفين لا يصب إلا في خدمة هذه المحاولة ومسايرتها سواء بعلم أو بجهل أو بانسياق رسمي غير مدروس يساعد في نشر هذه الفكرة، وذلك تصوير غير حقيقي وغير واقعي ويخدم تسويق فكرة انتشار الفكر الداعشي المتطرف بين البحرينيين الذي تستميت هذه الشبكة لتحقيقه.
الفكر الداعشي لا يجد له مستقراً في مجتمع كالمجتمع البحريني، فهذا الفكر يحاربه البحرينيون قبل أن تحاربه وتطارده السلطات، ترفضه الفطرة البحرينية وتتبرأ منه الأسر حتى وإن كان ابناً من أبنائها ومن صلبها، لا يدعمه إعلام ولا يسوق له أو يبرره أو يحرض عليه أو يروج له، لا تدعمه الصورة العامة للبحرينيين الشعب الأكثر انفتاحاً والأكثر تسامحاً وتعايشاً ولا يجد له حاضنة لا اجتماعية ولا سياسية واقتصادية ولا رسمية ولا إعلامية، لذا فإن تلك المحاولة القسرية التي تقوم بها الحاضنة الإعلامية للإرهاب الفعلي الذي قتل 14 رجل أمن وحرق 2000 آخرين في البحرين هي محاولة مكشوفة ومفضوحة وتهدف لصرف النظر عن الإرهاب الحقيقي الواقعي الذي يعاني منه المجتمع البحريني وتحويله إلى صورة البحرين كسلطة خليجية داعمة لتنظيم داعش.... وعليكم الباقي!
أعرف درجات للفجور في الخصومة، لكن أن تنحط إلى هذه الدرجة التي لا يهمك فيها أن تضار بها مصالح الدولة وعلاقاتها الدولية وسمعتها عن سبق إصرار وترصد بهذا الشكل المخزي.. حقيقة لم أرَ.

ملاحظة خارج السياق:
أراكم بعد العيد إن شاء الله... إجازة قصيرة لالتقاط الأنفاس.