في علم الإدارة، لحل أي مشكلة، يجب تحديدها والاعتراف بوجودها، هذا قبل أي شيء آخر، إذ الإشكالية تكمن دائماً في قضية «الاعتراف»، فمن منا يملك القدرة على الاعتراف بأنه أخطأ أو اعتمد سياسة خاطئة.ومع ذلك، فإن الخطوة التالية بعد عملية الاعتراف تكمن في وضع آلية صحيحة للتعامل مع المشكلة، بحيث تنهي وجودها، وتضمن ألا تتكرر بنفس الحجم إن لم يكن أكثر فداحة، وهنا ندخل في مسألة تصنيف الحلول، أي هل المطروح حل دائم يقضي على المشكلة نهائياً، أم أنه حل «ترقيعي» يلملم جزئية معينة، أو يقلل من نسبة النقد وتركيز الإعلام والمجتمع، والنوع الأخير هو ما نبرع فيه للأسف.مصطلح «الحلول الترقيعية» يستخدم كثيراً جداً في مجتمعاتنا، ونلحظه يتكرر حينما نركز الضوء على مشكلة معينة، بحيث بتنا نعرف تماماً بأن التعامل مع بعض المشاكل يتم بشكل عشوائي وبناء على ردات فعل، ورغبة في عدم إثارة المزيد من غضب الشارع، والأهم رغبة في تجنب المسؤولين الكبار أصحاب القرار الحاسم في الدولة، خاصة وأن غضب القيادة يعني حصول تغييرات جذرية قد تطيح برؤوس وتبدل أشخاص.كل هذا تشخيص لما نمر به ويعايشه واقعنا، لكن القضية الأهم التي نغفل عنها تتركز في عملية «صناعة» الحل، باعتبار أننا نريد حلولاً بالفعل للمشكلات، لكننا لا نريد حلولاً ترقيعية ولا إجراءات تخديرية، بل نريد حلولاً ناجعة تحل الإشكاليات بلا رجعة.وعليه فإن «صناعة» الحلول ليست عملية سهلة وليست «ترفاً» تجده حينما تحتاجه، ولا عند أشخاص لهم أيدٍ أو ارتباط ولو صغير في حصول المشكلة، وهنا نشير لخلل جسيم، يتمثل بأن فور حصول مشكلة في قطاع ما، فإن لجنة «الطوارئ» أو فريق الإنقاذ يتشكل بسرعة ويتكون من عناصر بعضها هي الأساس في حصول المشكلة، وتفكيرها وتخطيطها كان له أبرز الأثر في تعاظم الخطأ.في الدول المتقدمة هناك استعانة بخبراء ومتخصصين في مجال حل المشكلات، وفي جانب التعامل مع الأزمات وإدارتها، يساعدهم في عملهم فريق وخبراء معنيون بالتخطيط الاستراتيجي وقادرون على استشراف المستقبل وقياس تبعات العمليات على الأرض.هنا أتحدث عن «صناع الحلول»، عن الكفاءات التي يحق لنا وصفها بأنها أصحاب «عقول سحرية» حينما تعرض عليها المشكلات يطالعونك بحلول ذكية عقلانية واقعية وفعالة، أتحدث عن أصحاب القدرات في البحث والتحليل وتحديد مكامن الخلل، من يمكنهم تشخيص الوضع بشكل باهر والخروج بوصفة دقيقة لحل الأمور.في الإدارة الصحيحة، عملية حل المشكلات لا تكون بذكر المشكلة كموضوع يتم تداوله والدوران حوله لفترة طويلة، والتركيز فقط على توجيه أصابع اللوم، بينما المشكلة مستمرة وقائمة، بل حلها يكون عبر التفكير مباشرة في وضع حلول لها، وفي الاستعانة بمن يمكنه تقديم العون والمساعدة، وإن توافر في القطاع نفسه وجود كفاءات قادرة على لعب هذا الدور والإتيان بحلول وصناعتها، فإن هذا المكان يفترض أن يكون «محسود» على هذه الكفاءات.والله أعرف قطاعات يمتلكون أشخاصاً كهؤلاء، لديهم نظرة ثاقبة في كشف الأخطاء وتقديم الحلول، لكن الكارثة تكون حينما يتم تجاهل آرائهم وملاحظاتهم، أو تضيع أصواتهم المنفردة أو القليلة أمام غلبة وكثرة الأصوات الرافضة للتغير، أو الكارهة لأن تأتي الحلول منها فقط.لكن بغض النظر عن هذا، فإن ما نوصي به الدولة اليوم في ظل تفاقم بعض المشاكل والأزمات باختلافها، نوصي بأن يكون التركيز في بحثها على هذه الكفاءات، على أصحاب القدرات في حل المشاكل والتفكير بحلول ذكية، خاصة وأننا مللنا من تداعيات عمل كثير من المسؤولين وإبداعهم في اختراع المشاكل والأزمات.هذه النوعية التي نتحدث عنها موجودون، لكن الحصافة تكون بالنجاح في الوصول لهم والاستفادة منهم في خدمة الوطن في جوانب التطوير والإصلاح.
{{ article.visit_count }}
فقط نحتاج «عقولاً سحرية»!
اتجــاهـــات
فقط نحتاج «عقولاً سحرية»!