هذا طلب نقدمه للأصدقاء الأمريكان، خاصة وأنهم الحليف الاستراتيجي للبحرين، وقاعدة أسطولهم الخامس موجودة في ضيافتنا، ومسؤوليهم لا ينفكون يزورون بلادنا دورياً ويعقدون اجتماعات مختلفة مع قيادة البلاد وكبار المسؤولين.
وهو طلب نقدمه بسبب أن كثيراً من المسؤولين الأمريكيين يحبون الخوض في شأن البحرين، ولدينا من التجارب العديدة معهم ما يكفي لملء كتب، وتحركات السفارة والسفراء الذين عملوا في البحرين تبين الكثير، وحتى وثائق «الويكيليكس» أشارت للدور الذي يحبون لعبه بشأن «التدخل» عفواً أعني «النصح» سواء للدولة أو حتى لبعض الجماعات والأحزاب.
عموماً، هنا نطلب نصيحة من الأصدقاء، إذ بعد أن مللنا من تصريحات بعض مسؤوليهم بشأن حقوق الإنسان وكأنهم لا يرون ما حققته البحرين في هذا المحال، وبعد أن مللنا من حديثهم عن الحوار رغم أنهم لم يتحاوروا قط مع من يهدد أمنهم ويمارس الإرهاب، وبعد غض النظر لمطالباتهم منا أن نعطل القانون وأن نطلق سراح مجرمين رغم أنهم لا يفعلون ذلك وسجنوا آلاف بلا محاكمات في جوانتانامو، ورغم تجاهلنا لمطلبهم بأن نقبل بالإرهاب لدينا يقوض أمننا ويهدد البشر رغم أنهم شنوا أوسع حرب عالمية تحت مسمى محاربة الإرهاب وأباحوا العراق وأفغانستان بهذا المبرر، أقول بعد أن مللنا كل هذه «التدخلات» عفواً «النصائح»، سنطلب من أصدقائنا الأمريكان أن ينصحونا في اتجاه آخر، وهو اتجاه يبرعون فيه، وبالفعل يملكون تجربة «حقيقية» غنية فيه.
لن أتحدث هنا عن كيفية تأسيس الدولة الضخمة التي أسميت فيما بعد «الولايات المتحدة الأمريكية»، وكيف أنها جاءت بعد استكشاف للقارة الأمريكية الشمالية ودخول آلاف لإبادة الهنود الحمر السكان الأصليين وما حصل بعدها إلى أن وصلنا ليومنا الحالي، لن نتحدث عن هذا، بل سنتحدث عن التنوع الكبير الذي تشهده الولايات المتحدة، وعملية الانصهار والاندماج العرقي، وحركات محاربة العنصرية، والمحاولات العديدة منذ بدأ إبراهام لنكولن بسن قوانين تحرير العبيد إلى عصر مارتن لوثر كينج وما بعده من انفتاح لأبواب أمام ملايين لدخول أمريكا، وما يتم التسويق له من أنها -أي الولايات المتحدة- الأرض التي تتحقق فيها الأحلام، وتسهيل عملية الحصول على «البطاقة الخضراء» وغيرها من أمور، كلها تبين للمتتبع بعين فاحصة كيف أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعاً قابلاً للتنوع، رافضاً لأية محاولات لإشاعة أجواء من التشرذم وصناعة الكانتونات والتفرقة.
النموذج الأمريكي في التنوع نموذج يستحق البحث والدراسة، نعم هناك مجتمعات فيها من هذا التنوع، وفيها من تجريم وتحريم بث الفرقة ووضع تصنيفات للبشر، كبريطانيا مثلاً، لكن بمقارنة الواقع المعاش بين الأخيرة وبين الولايات المتحدة تجد أن القوانين هناك تجرم الفعل بحيث تجعل المواطن البريطاني يحاسب في أفعاله، بينما قوانين الولايات المتحدة في الوقت الذي تجرم الأفعال المعنية بازدراء الآخرين ومعاملتهم بعنصرية، وضعت قوانين لتضمن حقوق الجميع، ولتؤكد بأن كل من يحمل الجواز الأمريكي هو أمريكي عليه أن يعيش ويتحرك ويعمل وكل ذرة فيه وكل خلية من خلايا تفتخر بأنها أمريكية وتدين بالانتماء للولايات المتحدة.
مثل هذا النموذج هو ما نحتاج للنصح فيه من قبل أصدقائنا الأمريكيين، خاصة وأننا في البحرين ابتلينا بجماعات وأحزاب دأبت في خطاباتها على استخدام نعوت التفرقة وأوصاف عنصرية لتصف بها الآخرين، لا لاختلافات عرقية كأساس، بل بسبب اختلافات في الفكر والعمل السياسي والأهداف وفق معايير المطامع والمكاسب، بل وصلت العملية لوضع المذهب والفكر الأيدلوجي كمعيار تصنيف أيضاً لنعت الآخرين بأقذع الألفاظ التي استخدمها في المجتمع الأمريكي يستوجب التوقيف والمحاكمة والسجن بتهمة العنصرية.
نريد منكم يا أمريكان أن تنصحوا من أنهك بلادنا وأتعب المواطنين فيها والمقيمين بخطابه العنصري، بكلامه القائم على الفصل الإثني والعرقي، وبما يسوقه حتى في إعلامه الذي يتحرك بناء على طائفية وتخندق سياسي من توصيفات فيها الازدراء الشيء الكثير، نريد نصحكم يا أمريكان لهم، وهي مسألة ليست بصعبة، إذ مسؤوليكم هم أقرب المقربين لهم وهم من ينصحوهم بأمور لم تجنِ البحرين وشعبها منها سوى الأذى.
علموهم كيف يعيش المجتمع المتنوع بأعراقه وأفكاره، وكيف يمكن إنجاح ذلك مثلما فعلتم في بلادكم، بدل أن تعلموهم كيف يحرقون دولتهم وينقلبون عليها وكيف يفرقون بين أبناء البلد الواحد، وبدل أن تزعجونا بمزيد من تصريحات فلسفية تتحدث عن البحرين وكأنكم لا تعرفون حقيقة ما يحصل فيها.