نعرف تماماً ويعرف النواب الحاليون بالأخص الجدد منهم في البرلمان، أن الأداء النيابي منذ عادت الحياة النيابية في البحرين لم يحظ بالقبول المطلق من قبل الناس، بل كانت هناك آراء متباينة، السلبي فيها أكثر من الإيجابي بحسب مقياس الناس لإنجازات النواب.
وفي الفترات السابقة كانت هناك انتقادات قاسية بحق النواب، يوجهها الناس الذين انتخبوهم، وتوجهها الصحافة باعتبارها الأداة التي يوصل بها الناس صوتهم لو «غيب» من خلال ممثليهم، وباعتبار كون الصحافة أيضاً سلطة رقابة وجهة رصد ووسيلة نقد مكفول بالدستور والقانون.
الغريب، أنه لأول مرة نرى تحركاً نيابياً صريحاً سواء عبر ردود لأمانة المجلس نشرت في الصحافة وكأنها تلوح بمقاضاة كتاب وصحافيين لأنهم انتقدوا بعض النواب وانتقدوا أداء المجلس، أو تحركاً نيابياً من «ممثلي الشعب» ضد من ينتقدهم، في صورة مقلوبة للوضع المطلوب، إذ الناس انتخبوا النواب ليحاسبوا الوزراء والمسؤولين المقصرين، ولكن بدلاً من ذلك اتجه بعض النواب ليسن له تشريعات تخوله محاسبة الناس الذين انتخبوه!
قولنا هذا لا يعني أننا مع إهانة الشخوص، والحط من قدر النواب، أو توجيه الشتائم والسباب والأوصاف القبيحة لهم، بل على العكس، من يستخدم أساليب التهجم والتحقير وبذاءة القول في أي وسيلة كانت، سواء صحافة أو وسائل تواصل اجتماعي، هؤلاء يجب أن تطبق عليهم القوانين، إذ النقد في مفهومه الصحيح، هو النقد الراقي النظيف بمفرداته وتراكيبه، هو النقد الذي يوجه للمشكلة ويشخصها بعقلانية ويسهم في وضع حلول لها، لا النقد الذي يركز على الشخص وصفاته وأموره الشخصية وكيف يعيش ويتصرف في خصوصياته، أو يستهزئ بلونه أو شكله. كل هذه الممارسات الخارجة عن أخلاقيات النقد نقول بأنه يحق لأي كان نائباً ووزيراً أو مواطناً بسيطاً أن يأخذ حقه بالقانون.
لذلك أرجو ألا تكون العملية مساعي من بعض النواب الذين باتوا لا يحتملون الانتقادات التي تطال أداءهم من ناخبيهم أو الصحافة ليكمموا الأفواه أو يمنعوا الانتقاد، أتمناه مسعى هدفه تأسيس ثقافة انتقاد صحيحة وراقية، وهو ما ندعمه، وهو ما طالبنا به مجلس النواب السابق وحتى الحالي بأن يسن له تشريعات تجرم من يتطاول على البلد ورموزه ويحقر من أجهزته الأمنية والشخصيات المخلصة الوطنية فيه.
بالتالي نأمل بأن يكون التعامل مع مقترحات القوانين ورغبات التشريع على أساس تحقيق المصلحة العامة للوطن، لا أن يكون تعاملاً يحمي فئة أو شريحة دون أخرى، بمعنى أن بعض النواب يأخذ راحته حتى في كلامه مع وزراء الدولة في المجلس، ويصل بكلامه لحد «شرشحتهم» فهل يحق للوزير هذا أو ذاك مقاضاة النائب «المحصن»؟!
بالتالي حينما تبيح النقد لنفسك، وأعني هنا النقد لا الشتم والذم، فلابد أن تدرك بأن أحد أهم مكتسبات المشروع الإصلاحي لجلالة الملك هو فتح باب الحريات وإباحة التعبير عن الرأي المسؤول، وعليه ليس النواب إطلاقاً فوق النقد، بالأخص انتقاد الناس لهم، هؤلاء الناس الذين صوتوا لهم بناء على شعاراتهم الانتخابية ووعودهم، ومن حقهم محاسبة نوابهم إن كان الأداء بعيداً عن مطالبات الناس وبمعزل عن الشعارات والوعود.
أكرر القول، بأن هناك فارقاً كبيراً بين النقد المسؤول المقبول، وبين التجريح والشتم المرفوض، والذي فيه يحق للمتضرر اللجوء للقضاء.